للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مركَّبًا، وحينئذ لا يكون معنى الاستعلاء مشبهًا به أصالةً، ولا معنى (على) مشبَّهًا به تبعًا في هذا التشبيهِ المركَّبِ الطرفينِ، لأنهما معنيان مفردانِ، وإذا لم يكن شيءٌ منهما مشبهًا به هاهنا سواءٌ جُعِلَ جزءًا من المشبَّه أو خارجًا عنه لم يكن شيء منهما أيضًا مستعارًا منه، فكيف يسري التشبيهُ والاستعارةُ من أحدِهما إلى الآخر! والحاصلُ أن كونَ كلمةِ (على) استعارةً تبيعةً يستلزمُ أن يكون متعلَّق معناها ـ أعني الاستعلاء ـ مشبهًا به، ومستعارًا منه أصالةً، وأن يكون معناها مشبهًا به ومستعارًا منه تَبَعًا، وأن كون كلِّ واحد من طرفي التشبيه هاهنا مركَّبًا يستلزمُ أن لا يكون معنى (على)، ولا متعلَّقُ معناها مشبَّهًا ولا مستعارًا منه، لا تبعًا ولا أصالةً، ومنافي اللازمينِ ملزومٌ لتنافي الملزومين، فإذا [١٠] جُعِلَتِ الاستعارةُ في (على) تبعيةً لم تكن تمثيليةً مركَّبةَ الطرفينِ قطعًا ...

أقول: ليس في كلامه هنا زيارةٌ على ما قدمنا من كلامه في حاشيته على الكشافِ إلا مجرَّدَ الأطنابِ، ومزيدَ الإيضاحِ، فلا حاجة لإعادة ما أسلفناه، إلا أنه هاهنا ربطَ دعوى كونِ معنى (على) مفردًا بما ذكره من اصطلاحِ القومِ أنه ما دلَّ عليه بلفظٍ مفردٍ، وإن كان المعنى مركَّبًا في نفسِه فيقال له: لا منافاةَ بين المفردِ بهذا المعنى، وبين المفرد الذي ندَّعي صلاحيتَه للاستعارةِ التمثيليةِ، إذ ليس المرادُ إلا مجرَّدَ انتزاعِ كلِّ من طرفي التشبيهِ من أمورٍ متعدِّدةٍ، وذلك لا يستلزمُ أن يكون الدالُّ على هذا المنتزَعِ مركَّبًا لا عقلاً، ولا لغةً، ولا اصطلاحًا، كما قدمنا تحقيقهَ. فإن الاستعلاء هيئةٌ حاصلةٌ من راكب ومركوب وركوب، وهذا لا يخفى قطُّ، ولا يلتبسُ على منْصفٍ. فاشتغالُه بالكلام على كون الطرفِ مفردًا تارةً معناه، وتارة لفظُه لم يربطْه بدليل قطُّ، ولا بشبهةٍ تنفقُ على بعض المحصلينَ، بل مجرَّدُ تطويلٍ وتهويلٍ. ثم هذه الكليةُ التي ذكرها ممنوعةٌ أعني قوله: إذًا لا يعني به اصطلاحِ القومِ إلا ما دلَّ عليهِ بلفظ مفرد.

قال: ولما أورد عليه هذه النكتةَ منقَّحةً هكذا، واضحةَ المقدِّمات، ومحققةً مبنيةٌ على القواعد البيانيةِ والمشهوراتِ، وأبتْ له عصبيتُه أن يذعِنَ لما استبانَ من الحقِّ جَحَدَها بعدما استيقَنها. فقال في الجواب: