للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن انتزاع كلٍّ طرفي التشبيه من أمور متعددةٍ لا يستلزم تركُّبًا في شيء من أطرافِه بل في مأخذهما، وهذا كما ترى ظاهرُ البطلانِ من وجوه:

أحدها: أن المشبَّه بهِ مثلاً إذا انْتُزِعَ من عدَّةِ أمورٍ فلا يصحُّ أن يُنزَعَ بتمامه من كلِّ واحد [١١] من تلك العدَّةِ، لأنه إذا انْتُزِعَ بتمامِه من واحد منها فقد حصلَ المقصودُ الذي هو المشبَّه بهِ، فلا معنى لانتزاعِهِ من واحد آخر مرةً أخرى، بل يجب على ذلك التقديرِ أن يكون جزءًا من المشبَّهِ بهِ، مأخوذًا من بعض تلك الأمور، وجزءًا آخَرَ من بعض آخَرَ فيلزمُ تركُّبُهُ قطْعًا.

الثاني: إنهم قد أطبقوا على أن وجه الشَّبهِ في التمثيلِ لا يكون إلا مركبًا وليس هناك ما يوجبُ تركبُه سوى كونه منتزعًا من عدة أمور، فإنهم قد عرفوا التمثيلَ بما وجهه منتزعٌ من متعددٍ، وإن كان انتزاعُ وجهِ الشَّبهِ من أمور متعددةٍ مستلزمًا لتركُّبِه كان انتزاعُ كلِّ طرفي التشبيهِ منهما مستلزمًا لتركُّبِهما، لأن المقتضي للتركيب هو الانتزاعُ من أمورٍ عدَّةٍ، وخصوصًا كونُ المنتزعِ وجهَ شبَهٍ، أو مشبَّهًا به، أو مشبَّهًا ملغاةٌ في ذلك الاقتضاء جزمًا.

الثالث: قد حكم بأن انتزاعَ كلٍّ من الطرفين من أمور عدةٍ يجب تركيبُهما حيث ردَّ على موجبِ أن يكون قولُه تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} من تشبيه المفرد بالمفردِِ، فإن قال هناك: ومنهم من قال: التشبيهُ ليس تشبيهًا مفردًا، ولا مركبًا، وإنما يكون كذلك لو كان تشبيهَ أشياءَ بأشياءَ، وليس كذلك، بل تشبيهُ شيء واحدٍ هو حالُ المنافقين بشيء واحدٍ، وهو حالُ المستوقدِ نارًا، ثم قال في الرد عليه: أقول: لا معنى للتشبيه المركَّب إلا أن تُنزعَ كيفيتُه من أمور متعددةٍ تُشبَّهُ بكيفية أخرى كذلك، فيقع في كل من الطرفين عدةُ أمورٍ، وإنما يكون التشبيهُ فيما هو ظاهر، لكن لا يُلتفتُ إليهِ، بل إلى الهيئة الحاصلةِ من المجموعِ كما في قوله: وكأنَّ أجرامَ دررٍ نُثِرتْ على بساط أزرقَ هذه عبارتُه، وهي مصرَّحةٌ بأن كلَّ واحد من طرفي التشبيه إذا كان حالُه منتزعةٌ من