حيث قال في تفسير قول الكشاف: فقد جاء مطويًا ذكْرُهُ على سننِ الاستعارةِ يعني: قد يطوي في التشبيهِ ذكرُ المشبَّه كما يطوي في الاستعارةِ، بحيث لا يكون المذكور ولا يحتاج إلى تقديره في تمام الكلامِ، إلا أنه في التشبيه يكون منويًا مرادًا، وفي الاستعارة منسيًا غيرَ مراد. ومصداق الصرفِ أن اسم المشبَّه به في الاستعارة يكون مستعملاً في معنى المشبَّه مرادًا به ذلك حيث لو أقيم مقام َ اسم المشبَّه استقام الكلامُ، وفي التشبيه يكون مستعملاً في معناه الحقيقيِّ مرادًا به ذلك، ثم قال في قوله تعالي:{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ ... } إلى قوله تعالى: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ}(١) دلالةٌ قطعية على أن المراد بالبحرين معناهما الحقيقيِّ فيكون تشبيهًا: أي لا يستوي الإسلام والكفر اللذان هما كالبحرينِ الموصوفينِ. وقد خفِيَ هذا [١٦] البيانُ على بعض الأذهان فذهبوا إلى أن هذه الآيةَ من قبيل الاستعارةِ، ولا أدري كيف يتصدَّى أمثالُ هؤلاء لشرح مثل هذا الكتابِ ... انتهى كلامه.
فقد اتضح جوازُ كون اللفظ مرادًا منويًا وإن لم يكن مقدرًا في تركيب الكلام، وإذا تحققتَ ما تلونا عليك عرفتَ أن تمييز الوجهِ الثالثِ ـ أعني أن تكون الاستعارةُ تمثيليةً ـ على الوجه الثاني ـ أعني أن تكون الاستعارةُ تبعيةً ـ مبني على تدقيق النظر في أحوال المعاني المقصودةِ بالألفاظِ المقدرةِ، ورعاية ما تقتضيه قواعدُ علمِ البيانِ، فَمِنْ ثَمَّ زلَّتْ فيه أقدامُ فَضَلَّوا وأضلُّوا.
أقول: هذا الكلام ساقَه للاستدلال به على ما ذكره آخِرًا من جواز كون اللفظِ مرادًا منويًا ... إلخ ... ولا أدري كيفَ وقع مثلُ هذه التهافتاتِ لمثل هذا المحقِّقِ! فإن مجرد جواز الحذفِ في بعض المواضعِ لا يصلُحُ دليلاً لما فيه النزاعُ، فإنه يزعم أن الحذفَ فيه متعيَّنٌ لا يجوز غيره كما في الاستعارةِ التمثيليةِ، وخصمُه يخالفه ويمنعُ عليه ما قاله فهل يصلحُ في جواب هذا المنعِ المستفادِ من كلام خصمهِ أن يستدلَّ عليه بأنه قد جاز مثلُ