للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك في موطن من المواطنِِ؟ فإن هذا التجويزَ غايةُ ما فيه أن يكون مثلَ ذلك جائزًا في محل النزاعِ لا متعيَّنًا، فيكون هذا الدليل الذي ساقه مقتضيًا بصحةِ ما قاله خصمُه، فاندفعَ الاعتراضُ، وبطل البحثُ من أصله.

هذا على فرض أن الخصمَ يسلِّم صحةَ الحذفِ في المتنازعِ فيه، واحتمالَه لذلك، فكيف إذا كان قائمًا في مقام المنع مسنِدًا له بأن الطرفَ مذكورٌ بتمامه، وأن مأخذه متركبٌ ومعناه متعدِّد!

قال: فإن قلتَ: على أي هذه الوجوه الثلاثة يحملُ كلامَ العلامة؟ قلتُ: على الوجه الثاني، فإنه جعل المشبَّه به اعتلاء الراكبِ، ويُعْلَمُ من ذلك أن المشبَّه هو التمسُّكُ بالهدى، وأن وجهَ الشَّبِه هو التمكن والاستقرارُ.

وأما قوله مَثَلٌ فمعناه تمثيلٌ ـ أي تصويرٌ ـ فإن المقصودَ من الاستعارة تصويرُ المشبَّهِ بصورةِ المشبَّهِ بهِ، بل تصويرُ وصفِ المشبَّهِ بصورة وصفِ المشبَّهِ به.

مثلاً إذا قلتَ [١٧]: رأيت أسدًا يرمي فقد صوَّرتَ الشجاعَ بصورة الأسدِ، بل صورت شجاعتَه بصورة جراءته، ولما كان المقصدُ الأعلى تصويرَ ما في المشبَّه من وجه الشَّبَهِ قدَّمَ التمكُّنَ والاستقرارَ على التمسُّك الذي هو المشبَّه وإنما قال: ومعنى (على) تنبيهًا على أن استعارةَ اللفظِ تابعةٌ لاستعارة المعنى، ليكون معناها للمبالغة.

أقول: قد تقدم دفعُ هذا بما لا يحتاج إلى تكريره هنا. وقد عرفت مصطلحَ أهلِ الفنِّ إذا أطلقوا لفظَ المثلِ في مثل هذا المقامِ فافهمْ بأنهم لا يريدون به إلا الاستعارةَ التمثيليةَ. ولما كان ذلك مناديًا بصحة ما قاله السعدُ، وفسادِ ما قاله الشريفُ أبلغُ مناداةٍ حاول إخراجَه عن معنى المصطلح عليه تتميمًا لدعواهُ، وترويجًا لاعتراضه، ولا سيما بعد التصريح من قبل صاحب الكشافِ بما لا يبقي عنده شكٌّ في مراده حيث قال: شُبِّهَتْ حالُهم ... إلخ. إن لفظَ المثل في مثل هذا الموطن محتملاً لما زعمه لكان هذا التصريحُ مانعًا من إرادة ما أراده، ودافعًا لحملِه على ذلك. ثم تأمَّل قولَه: وإنما قال: ومعنى الكشافِ ـ يعني الزمخشري ـ فإن هذا لما كان مصرِّحًا بأن المستعارَ منه هو معنى الاستعلاء لا