للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلميةُ، ولم ينفعُ محقٌّ بما في يده من الحقِّ، ولا افتضحَ مبطلٌ بما يزخرفه فيه من الباطلِ. فعليك أيُّها الناظر في هذا المقام بتدبُّر ما اشتملتْ عليه هذه المباحثةُ بين هذين الإمامينِ، فقد أسفر الصبحُ لذي عينين. (١)


(١) قال الألوسي في (روح المعاني) (١/ ١٢٤) {عَلَى هُدًى} استعارة تمثيلية تبعية حيث شبهت حال أولئك ـ وهي تمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به بحال من اعتلى الشيء وركبه ثم استعير للحال التي هي المشبه المتروك كلمة الاستعلاء المستعملة في المشبه به وإلى ذلك ذهب السعد.
وأنكر السيد اجتماع التمثيلية والتبعية لأن كونها تبعية يقتضي كون كل من الطرفين معنى مفردًا لأن المعاني الحرفية مفردة وكونها تمثيلية يستدعي انتزاعها من أمور متعددة وهو يستلزم تركبه، وأبدى في الآية ثلاثة أوجه:
١) أنها استعارة تبعية مفردة بأن شبه تمسك المتقين بالهدى باستعلاء الراكب على مركوبه في التمكين والاستقرار فاستعير له الحرف الموضوع للاستعلاء.
٢) أن يشبه هيئة منتزعة من المتقي والهدى وتمسكه به بالهيئة المنتزعة من الراكب والمركوب واعتلائه عليه فيكون هناك استعارة تمثيلية تركب من كل طرفيها لكن لم يصرح من الألفاظ التي بإزاء المشبه به إلا بكلمة (على) فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة وما عداه تابع له ملاحظ في ضمن ألفاظ منوية وإن لم تقدر في نظم الكلام فليس في (على) استعارة أصلاً بل هي على حالها قبل الاستعارة كما إذا صرح بتلك الألفاظ كلها.
٣) أن يشبه الهدى بالمركوب عن طريق الاستعارة بالكناية وتجعل كلمة (على) قرينة لها على عكس الوجه الأول.
وهذا الخلاف بين الشيخين في هذه المسألة مما سارت به الركبان وعقدت له المجالس وصنفت فيه الرسائل. وأول ما وقع بينهما في مجلس تيمور وكان الحَكَمُ نعمان الخوارزمي المعتزلي فَحَكَمَ والظاهر أنه لأمر ما للسيد والعلماء إلى اليوم فريقان في ذلك ولا يزالون مختلفين فيه إلا أن الأكثر مع السعد.
وأجابوا عن شبهة السيد بأن انتزاع شيء من أمور متعددة يكون على وجوه شتى فقد يكون من مجموع تلك الأمور كالوحدة الاعتبارية وقد يكون من أمر بالقياس إلى آخر كالإضافات وقد يكون بعضه من أمر وبعضه من آخر وعلى الأولين، لا يقتضي تركيبه بل تعدد مأخذه فيجوز حينئذ أن يكون المدلول الحرفي لكونه أمرًا إضافيًا كالاستعلاء حالة منتزعة من أمور متعددة تمثيلية ولعل اختيار القوم في تعريف التمثيلية لفظ الانتزاع دون التركيب يرشد المنصف إلى عدم اشتراط التركيب في طرفيه وإلا لكان الأظهر لفظ التركيب وقد أشبعنا القول في ذلك وذكرنا ما له وما عليه في كتابنا
ـ الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية.