وأسعدُ الناس بالحقِّ في مثل فنِّ البيان هو من وافق القواعدَ المعتبرةَ عند أئمته، وإنَّ من أعلاهم كَعْبًا، وأرفعِهم فهمًا، وأحقَّهم بالاقتداء به، والمشي على طريقتهِ، والتقيدِ بأقواله ... إلى تقريره الإمام السكاكي، والإمام الزمخشري. وقد حكيناه لك عنهما ما هو شاهدُ صدقٍ على أن السعد هو أسعدُ الرجلين بالحق، وأولاهما بمصطلح أهل الفن، فإن كان الاعتبارُ في فن البيان بالأكابر من أئمته فلا أكبر من هذين الإمامين فقد وقع الاتفاق على أنهما قد عضّا على دقائقِه وحقائقِه بأقوى لِحْيَيْن، وإن كان [٢٤] الاعتبار بموافقةِ علمِ اللغةِ لكون موضوعِ هذا الفنِّ هو دقائق العربيةِ وأسرارُها فقد عرفتَ من جميع ما سلفَ أنه لم يأتِ الشريفُ في مباحثته هذه بشيء منها تقومُ به الحجةُ على خَصْمِه، وإن كان الاعتبارُ بالاصطلاحِ الواقع لأهل الفنِّ في الكتب المدوَّنة فيه.
فانظر هل تجدُ فيها شيئًا يشهدُ لما ذكره، ويدلُّ عليه! ومع هذا فالفاضلُ اليمني المعروفُ في هذه الديار بالعلويِّ قد صرَّح بما قدمنا ذِكْرَهُ من أنه قد دلَّ الاستقراءُ على أنَّ الاستعارةَ التبعيةَ تمثيليةٌ، وهو غيرُ متَّهم فيما ينقلُه عن أهل الفنِّ، فإنه من أئمته ...
فلو فرضنا أنه لم يكن في المقام شيء من هذه الأمور الشاهدةِ لما قاله السعد بالصحةِ لكان قيامُهُ قيامَ المنعِ يرتضيهِ المنصفُ على فرض عجز المانعِ عن نقض ذلك الدليل أو معارضتهِ. ثم انظر كيف صنع المحققُ الشريفُ ـ رحمه الله ـ في كلامه هذا، فإنه لما جعل سقوط المنعينِ أمرًا معلومًا لا مريةَ فيه ولا خفاء كرّ على مناقشة العبارةِ بما لو كان صحيحًا لم يغنِ عنه شيئًا في محل النزاعِ، مع أن هذه العبارةَ المناقشةَ لا فرقَ بينهما، وبين عبارة السكاكي، فإن لفظ عبارة السكاكي هكذا، ومن الأمثلة استعارةُ وصفِ إحدى صورتينِ منتزعتينِ لوصف صورةٍ أخرى ... انتهى.
وهذه العبارة مثلُ عبارة السعدِ، وقد اعترفَ الشريفُ في كلامه هذه بعبارةِ وصفٍ، لكنه حذفَ لفظَ صورةٍ. ثم اعتذرَ عن نقل السعد لعبارة صاحب المفتاح بأنه خيالٌ فاسدٌ ولو كان بمثل هذه المراوغاتِ يُؤْكَلُ الكتِفُ لَدَفَعَ من شاء ما شاءَ، وتزلزلتِ المعارفُ