للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن سعدَ الدينِ قال: هو نختصُّ (بالنون) ـ ويروى (بالياء). قال: وكيف ما كان فهو بيانٌ لما وجب. ثم قال: وفيه احترازٌ عما يتعلَّق بقدرةِ العباد وإرادتِهم، فإنَّها لا تكون من هذا القبيلِ، وإنما تعلم تبعًا لما يقعُ. انتهى كلامُهُ.

وأراد بقوله: تعلمُ تِبْعًا لما يقعُ يعني مذهبَ القدريةِ الذين قالوا: الأمرُ أنفٌ، ولا شكَّ أنه مذهبُهم، فإما أن يكون قال ذلك بهتًا للمعتزلةِ ليحقِّق فيهم اسمَ القدرِ اغتنامًا لفرصةِ التلبيسِ، لأن عدمَ قولِ المعتزلة (١) لذلك معلومٌ عند كل باحث. وقد صرَّحتْ به الأشعرية (٢) فضلاً عن غيرهم كابن حجرٍ في شرح الأربعين، واللقاني في شرح الجواهرِ [٢]، ومن لا يُحْصَى، وإما أن يكون مثلَ أقوال بعض المغفلينَ الذين أخَذَ اسمَ القدرِ من أفواه الأشعريةِ واصطلاحِهم، ثم أخذ معناهُ من الأحاديث، فيكون السببُ عمى التعصُّبِ هو الذي أوقعَه في ذلك مع ذكائِه واطَّلاعه.

وعلى كل تقدير فقد بُهِتَ شطرُ أهل البسيطةِ، بل كل موفَّق سلَّمه الله من بدعةِ الجبْرِ فبهتَهم بأعظمِ ذنبٍ، وما عسى أن تقعَ وُرَيْقاتُهُ التي صنَّفها في جنبِ ذلك! نسأل الله العافيةَ والسلامةَ، وروايتهُ نختصُّ (بالنون) غيرُ مقبولةٍ، وحاله ما ذكر. ولو جاءت من غيرهِ لم يكن فيها شبهةٌ أيضًا ... انتهى كلامُ المقبليِّ (٣) ...

وأقول: ينبغي أن نقرِّر أولاً معنى عبارةِ الزمخشري (٤) تقريرًا يتضحُ به المرادُ إيضاحًا لا يبقي فيه إشكالٌ، وبيان ذلك أنه فسَّر قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا} بقوله: (ما أغفلنا)، وفسر {الْكِتَابِ} باللوحِ المحفوظِ، ثم قال: من شيء لم نكتبه، ولم نثبتْ ما وجبَ أن يَثْبتَ مما يختصُّ به، أي بل كتبناه وأثبتنا ما وجبَ أن يثبتَ مما نختصُّ به، وتوضيح العبارة هكذا: لم نكتبِ الشيءَ، ولم نُثْبِتِ الذي وجبَ أن يَثْبُتَ من شيء نختصُّ نحن


(١) تقدم التعريف بها.
(٢) تقدم التعريف بها.
(٣) في (الأبحاث المسددة) (ص٨١ ـ ٨٣).
(٤) في (الكشاف) (٢/ ٣٤٢).