بذلك الشيء، أو من شيء يختصُّ ذلك الشيء بالكتاب. فما في قوله ما وجبَ مفعولٌ نثبتُ، وفاعلُ وجب قولُه أن يثْبُتَ، وفاعل أن يَثْبُتَ ضميرٌ مُسْتكنٌّ فيه، عائدٌ إلى ما في قوله: ما وجبَ، فمعنى ما فسرَّ به قولَهُ:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ما أغْفلنا شيئًا منه بتركِ كتابِته، وتركِ إثباتِ ما يجبُ إثباتُه من الأشياء التي لنا اختصاصٌ بها، أو من الأشياء التي لذلك الكتابِ اختصاصٌ بها، بل أثبتْنا في الكتاب كلَّ شيء من الأشياء التي يجبُ إثباتها، ولنا بها اختصاصٌ، هذا على أن نختصُّ بالنونِ أو من الأشياء التي للكتابِ بها اختصاصٌ، على أن يختصَّ بالياء التحتيةِ، فيحصُلُ من هذا الكلام تقييدُ ما هو ثابتٌ في اللوح المحفوظِ بقيدين:
الأول [٣]: أن يكون مما يجبُ إثباته.
والثاني: أن يكون مما يختصُّ به الله ـ سبحانه ـ على تقدير أن قوله نختصُّ بالنون، أو يكون مما يختصُّ به الكتابُ أي اللوحُ المحفوظُ على تقدير أن قولَه يختصُّ بالياء التحتيةِ، فهذان القيدانِ اللذانِ قيَّد الزمخشري ـ رحمه الله ـ كلام الله تعالى بهما لا بد أن ينتهضَ عليهما دليلٌ مرضٍ يدلُّ على أن مرادَه ـ سبحانه ـ بقوله:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أي من الأشياء التي يجبُ إثباتها، ولنا بها اختصاصٌ، أو للكتاب بها اختصاصٌ، فإنْ وجَدْنا هذا الدليلَ فبها ونِعْمَتْ، وإن لم نجده فلا خلافَ أن كلامَ الله ـ سبحانه ـ لا يجوز تقييدُهُ لمجرَّدِ الرأي.
فإن قلت: ماذا تقول أنتَ هل لهذا التقييدِ من دليل يتعيَّن علينا قبولُه، ويلزمُنَا تقييدُ كلامِ الله بهِ؟ قلت: أما قيدُ الوجوبِ فهو إما أن يكون الوجوبُ على الله ـ سبحانه ـ أو على ملائكته، أو على سائر عباده لا يصحُّ أن يُرادَ الوجوبُ على عبادِه، لأنهم لا يتَّصلونَ باللوح المحفوظِ، فضلاً عن أن يكتبونَ فيه، فضلاً عن أن يجبَ عليهم إثبات شيء فيه، ولا يصحُّ أن يُرادَ الملائكةُ، لأنهم يفعلُون ما يؤمرون، وليس لهم من الأمرِ شيءٌ، ولا لاختيارِهم مدخلٌ في ذلك.