الثالث: أنه لا ينحلُّ عقالُ الإشكالِ بما زعمه في روايةِ يختصُّ بالياء التحتيةِ على انفرادِها، وبيانُه أنه إذا كان الثابتُ في اللوح المحفوظِ هو ما يختصُّ به ذلك الشيءُ لزمَ أن يخرج الشيءُ في نفسِه فيكون الثابتُ هو الأمورَ المختصّة به دونه.
ومعلومٌ أنَّ كلَّ شيء هو مكتوبٌ في اللوح المحفوظِ أولاً، ثم يختصُّ به ثانيًا، ثم يلزمُ خروجُ الأمور المشتركةِ بين كلِّ الأشياء أو أكثرِها أو بعضِها، فإنَّه لا يوصَفُ الاختصاصُ بمفرد منها ...
وإذا عرفتَ هذا وتبيَّن لك عدمُ تصحيحِ كلامِ الزمخشري بما قاله المقبليُّ فاعلم أن ما شرَحَهُ به السعدُ لا ينشرحُ به الصدرُ، ولا يقبلُه الفهمُ. وبيانُ ذلك أنه قال (وفيه احترازُ عما يتعلَّق بقدرةِ العبادِ وإرادتِهم، فإنها لا تكون من هذا القبيلِ، وإنما تُعْلَمْ تِبْعًا لما يقع) ولا يخفاكَ أن هذا لا يصحُّ لوجهين:
الأول: تخصيصُ ذلك بقدرةِ العبادِ وإرادتهِم. وقد عرفتَ أن اللازمَ من عبارة الزمخشريِّ ما هو أعمُّ من ذلك وأطمُّ كما أوضحناه.
الثاني: قوله: (وإنما يُعْلَمُ تِبْعًا لما وقعَ) فهذا فاسدٌ، وبيانُه أن النزاعَ إنما هو في المكتوب في اللوح المحفوظِ، فلا فيما هو معلومٌ لله سبحانه، فإن علْمَ الله تعالى أعمُّ وأشملُ بل لا يحيطُ به قلمٌ، ولا يحصرُهُ فمٌ، ولا يتناهى، وغايةُ ما في اللوح المحفوظِ الإحاطةُ بما هو كائن إلى يوم القيامة، كما قيَّدتْهُ الأحاديثُ والآثارُ.
ولا يَشُكُّ أحدٌ أن الله ـ سبحانه ـ قد علم بعلمٍ قديمٍ أزليٍّ ما هو كائنٌ بعد يوم القيامةِ إلى ما لا يتناهى، ولا تحيطُ به العقولُ، ولا تدركُهُ الأفهامُ كما عَلِمَ ما هو كائن إلى يوم القيامةِ، ثم قولُ السعدِ: وإنما يُعْلَمُ تِبْعًا كلامٌ فاسدٌ، وبيانٌ باطلٌ لا يصحُّ أن يكون مرادًا لله، ولا لصاحِب الكشافِ ولا لَهُ.
وإذا تبيَّن لك ما حررناه علمتَ أن كلامَ صاحبِ الكشاف في هذا المحلِّ هو منشأُ الإشكالِ، ومعدنُ الاشتباهِ. وقد أوضحنا ما هو الصوابُ بما لا يبقي بعده ريبٌ لمرتاب