للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي بحكم خير منها أو مثلِها في حق المكلَّفِ باعتبارِ الثوابِ، وهذا صحيحٌ، ولا يخالُفه الضميرُ في قوله: {نَأْتِ} فإن القرآنَ والسنةَ جميعًا من عند الله ـ سبحانه [٩]ـ قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} (١) والكلامُ في المسألةِ طويلٌ، وهو مدوّن في الأصول بما لا يتَّسع المقام لبسطِه، الحقُّ عندي الجوازُ. (٢) وأما نسخُ الكتاب بما صحَّ من آحادِ السنةِ فقد منعه الجمهورُ، لأن الآحاد لا تفيد القطعَ، والكتابُ مقطوعٌ به. وذهب جماعةٌ من متأخرين الحنفيةِ إلى جواز نسخ القرآنِ بالخبرِ المشهورِ، وقال في جمع الجوامع (٣): إن نسخَ القرآنِ بالآحاد جائز غيرُ واقع ... وقال أبو بكر الباقلاَّني، (٤) والغزالي، (٥) وأبو عبد الله البصري (٦) أنّه جائزٌ في عصره ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لا بعدّه ... ووافَقهم الإمامُ يحيى من أئمة الزيدية. وذهب جمعٌ من الظاهرية إلى جواز ووقوعِه ...

وأقول: إنَّ النزاعَ إن كان في قطعية المتنِ فلا شك أن القرآن كذلك وما صح من آحاد السنة ليس بقطعي وإن كان النزاعُ في الدلالةِ فإن كان القرآنُ المنسوخ عمومًا أو محتملاً فدلالتُه ظنيةٌ كدلالةِ ما صحَّ من الآحادِ، والذي يصلُح أن يكون محلاًّ للنزاع هنا هو الثاني لا الأولُ، على أنه قد وقع نسخُ القطعيَّ بالظنيِّ، فإن استقبالَ بيتِ المقدسِ ثبت ثبوتًا قطعيًّا متواترًا، ثم إن أهلَ قُباءَ استدارُوا إلى الكعبةِ وهم في الصلاة بخبر واحدٍ ولم ينكر عليهم ذلك النبيُّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم (٧) ـ.


(١) [النجم: ٣ ـ ٤].
(٢) انظر (إرشاد الفحول) (ص٦٣١)، (البحر المحيط) (٤/ ١١٥).
(٣) انظر: (البحر المحيط) (٤/ ١٠٩).
(٤) انظر (المسودة) (ص٢٠٢).
(٥) في (المستصفي) (٢/ ١٠١ـ ١٠٤).
(٦) انظر (البحر المحيط) (٤/ ١٠٩ ـ ١١٠).
(٧) تقدم ذكره. وانظر: (إرشاد الفحول) (٦٣٣).