للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك ثبت نسخُ الوصيةِ للوالدين والأقربين بقوله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «لا وصية لوارث»، (١) وكذلك نُسِخَ قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ... } بقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ما توفي رسولُ الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ حتى أحلَّ الله له أن يتزوجَ من النساء ما شاءَ. ونسخ قولُهُ تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ... الآية} (٢) بنهيهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ عن أكل كلِّ ذي ناب، (٣) والكلام في هذا يطولُ، ومحلُّه مطوَّلاتُ كتب الأصولِ، فإن استيفاءَ الكلام في


(١) تقدم تخريجه.
(٢) [الأنعام: ١٤٥].
(٣) أخرجه مسلم رقم (١٩٣٤)، وأبو داود رقم (٣٨٠٣)، والنسائي (٧/ ٢٠٦) من حديث ابن عباس.
وهو حديث صحيح.
قال ابن الجوزي في (ناسخ القرآن ومنسوخه) (١/ ٣٩٩ ـ ٤٠٠)، اختلف العلماء في حكم هذه الآية على قولين:
أحدهما: أن المعنى: لا أجد محرمًا مما كنتم تستحلون في الجاهلية إلا هذا قاله طاووس ومجاهد.
ثانيهما: أنها حصرت المحرم، وليس في الحيوانات محرم إلا ما ذكر فيها ثم اختلف أرباب هذا القول.
فذهب بعضهم إلى أنها محكمة، وأن العمل على ما ذكر فيها. فكان ابن عباس لا يرى بلحوم الحمر الأهلية بأسًا. ويقرأ هذه الآية ويقول: ليس شيء حرامًا إلا ما حرمه الله في كتابه وهذا مذهب عائشة والشعبي.
وذهب آخرون إلى أنها نسخت بما ذكر في المائدة، ومن المنخنقة، والموقوذة والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع وقد رد قوم هذا القول، بأن قالوا: كل هذا داخل في الميتة. وقد ذكرت الميتة هاهنا فلا وجه للنسخ.
وزعم قوم أنها نسخت بآية المائدة، وبالسنة من تحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وهذا ليس بصحيح.
أما آية المائدة فقد ذكرنا أنها داخلة في هذه الآية. وأما ما ورد في السنة فلا يجوز أن يكون ناسخًا لأن مرتبة القرآن لا يقاومها أخبار آحاد. ولو قيل: إن السنة خصت ذلك الإطلاق أو ابتدأت حكمًا كان أصح. انظر: (إرشاد الفحول) (ص٦٣٢ ـ ٦٣٣).