للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحقيق العلوم، وتدقيق المعارف أن يكون العالمُ عارفًا بالمسائل، [٢ب] قادرًا على استخراج الدلائل، متمكنًا من استحضارها على الوجهِ الذي دُوِّنت عليه في العلوم، ولا يلزمه أنْ يفهمَها إذا غُيِّرتْ تغييرًا خرجت به عن الطريقة المألوفة، وخالفت بسببه المسالكَ المعروفةَ. فإنَّ ذلك لا يقدحُ في علم العالِمِ بلا خلاف. ومن أنكر هذا فقد أنكر الأمرَ الواضح البيِّنَ، وما سبيل هذه المسائل التي أوردَهَا السائل ـ كثر الله فوائده ـ إلاَّ سبيلَ ما أورده أذكياء أهل الفنون في فنونهم على اختلافها من المسائل المعمَّاة في كل فن، بحسب ما يتعارفه أهلُه، ويدور بينهم في مجامعهم، فإنَّ ذلك قد يخفي على أكثرهم تدقيقًا، وأكملِهم تحقيقًا. فإذا انكشف وجهُ التعمية وجد ذلك من أصغر ما يعرفه، وأوضح ما يقومُ بتحريره وتقريره، ويلتحق برياضة أذهانِ الطلبةِ بالتعمية في مسائل العلوم ما يعقدُ من التعمية تارةً بالنظم، وتارةً بالنَّثر في أمور معروفة مألوفة. صارت بإيرادها على ذلك الوجهِ مما يصعُب حلُّه، ويبعدُ فهمُهُ، وكثيرًا ما يقع ذلك بين المشتغلين بالأمور الأدبيَّة، والمحاضرات المجلسيَّة. فإذا ظهر وجهها، وحصل حلُّها ظهر عند ذلك أن ذلك المعمَّى الذي تقاصرت الأذهان عن حلِّه، وتعبت في استخراجه في شيء يعرفُه كلُّ أحدٍ.

الفائدة الثالثة: أنَّ مسائل التعمية إذا كان كشفُها وحلُّ ألغازِها بما يشابهها في التغطية. ويناسبها في الوجه الذي وردت عليه، وعلى تلك الصورة التي جاءت بها كان ذلك حَسَنًا مقبولاً، مشتملاً على زيادة فائدةٍ، وهي شَحْذُ ذهن الواقفِ على الجواب [٣أ]، وتحديدُ فهمه، وتقوية إدراكِهن وتصيفة صورة تصوُّره، وربما نسلك في بعض هذه الأجوبةِ هذا المسلكَ، ونمشي على هذه الطريقة التي مشَاها السائل ـ كثر الله فوائده ـ.

الفائدة الرابعة: قد كان رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ يكره كثرةَ السائل، ولما أكثروا عليه في بعض المواطن غضبَ، ثم طلب منهم أنْ يسألوه، وتقاضَاهم ذلك غيرَ مرَّة حتى قال بعضُهم: مَنْ أبي يا رسول الله؟ فقال: أبوك فلان، ثم