أقول: قال المحقق الشريف (١) وغيره [٦أ]: الكمال ما يكملُ به النوعُ في ذاته، أو في صفاته. والأول هو الكمال الأول ليقدمه على النوع، والثاني هو الكمال الثاني لتأخُّره عنه، ووجه تسميّة ما يكملُ به النوعُ في ذاته كمالاً أو لا، فما يكمل به في صفاته كمالاً ثانيًا أنَّ كمال الشيء في صفاتِه متوقِّفٌ على كماله في ذاته، والصفة متأخرة عن الموصوف، وإذا تقوَّى لك هذا، وعلمتَ أنَّ عدم اجتماعِ اللوازِم يستلزمُ عدمَ اجتماع الملزوماتِ عرفتَ أنَّ النسبةَ بينَهما التبايُنُ، وعرفت أيضًا أنه يصحُّ السؤالُ في كل واحد منهما بأيٍّ إذا كان المطلوبُ شرحَ ماهِيَّتهما، ويصح أيضًا السؤالُ في كل واحد منهما بأيِّ إذا كان المطلوبُ تمييزهَ عن المشاركاتِ له، ثم نقول للسائل ـ كثر الله فوائده ـ: هل الكمالُ الأول متَّحدٌ أو متعددٌ؟ وعلى تقدير التعدُّد هل تلك الأمور المتعددةُ متفاوتةٌ أو متوافقةٌ؟ وهل هي من باب التواطؤ أم من قسم التشكيك؟ وهكذا يقال في السؤال عن الكمال الثاني، ثم يقال أيضًا: هل ثَمَّ كمالٌ ثالثٌ خارجٌ عن الكمالين؟ فإنَّ الوهب الذي لا تحصلُه الذات، ولا تكتسبه الصفاتُ لا يصحُّ أن يقال فيه أنه من الكمال الأول، ولا من الكمال الثاني، فإن كان كمالاً ثالثًا فما وجهُ الاقتصار على كمالين؟ وما النسبة بينَه وبين كل واحد من الكمالينِ؟ وإن كان داخلاً فيهما أو في أحدهما فعليكم ببيان تحقيقِ الدخولِ، وإن كان ذلك مما يبعدُ إليه الوصولُ.
قال: مسألة: وما شيء لا موجودٌ، ولا معدومٌ، ولا كليَّ، ولا جزئي، [٦ب] ولا خاصٌّ، ولا عام؟ وهل يدخل في مسمَّى الشيء؟ وهل يحسنُ السؤال عنه بأيِّ؟ وهل معنى لا شيء ولا موجود متحدٌ، وهل التلازمُ بين الوجودية والشيئية من الأمور الخارجية أو الذهنية؟ أولا ملازمةَ أصلاً؟ وما بين اللاشيء واللاموجود من التقابل حكمًا؟
أقول: قد أثبت القاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو هاشم المعتزلي وإمام الحرمين