للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجويني واسطةً بين الوجود والعدمِ، وهو الحال، وأوَّل من قام به أبو هاشم.

ولذا يقال حالُ البهشمي (١) فالحال على هذا القول لا موجودٌ ولا معدومٌ، وذهب الجمهور إلى أنه لا واسطةَ بين الموجود والمعدوم، لأنَّ الموجود ما له تحقٌّقٌ، والمعدوم ما ليس له كذلكَ، ولا واسطة بين النفي والإثباتِ في شيء من المفهومات ضرورةً واتفاقًا. والبحث في هذا يطول فليرجعِ السائلُ إلى المواقف العضُدية وشرحِها، والمقاصِدِ السعديةِ وشرحها، وإلى التجريد وشرحِهِ، ففي ذلك ما يغني عن التطويلِ، (٢) وأمَّا كون الشيء لا يكون كليًّا ولا جزئيًا فقد تقرر أنَّ الكليةَ والجزئيةً من صفات المفاهيمِ العقليةِ، فالموجوداتُ الخارجية لا تتصف بأحد الوصفينِ، وهكذا يقال في جواب قوله: ولا عامٌّ


(١) قال أبو هاشم الجبائي أن الباري تعالى عالم بذاته بمعني أنّه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتًا موجودًا. وإنما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها. فأثبت أحوالاً هي صفات لا موجودة ولا معدومة، ولا معلومة ولا مجهولة، أي هي على حالها لا تعرف كذلك بل مع الذات. قال ـ أبو هاشم ـ والعقل يدرك فرقًا ضروريًّا بين معرفة الشيء مطلقًا وبين معرفته على صفة، فليس من عرف الذات عرف كونه عالمًا، ولا من عرف الجوهر عرف كونه متحيزًا قابلاً للعرض ... ).
انظر: (الملل والنحل) (١/ ٩٢ ـ ٩٣).
قال الإسفراييني في (التبصير في الدين) (ص٨٧): وكان من جهالته ـ أبو هاشم بن الجياني ـ قوله بالأحوال حتى كان يقول: إن العالم له حال يفارق به من ليس بعالم، وللقادر حال به يفارق حال العلم ثم كان يقول: إن الحال ليس بموجودة ولا معدومة ولا مجهولة وإن العالم يعلم على حالة ولا يعلم حال العالم ولا حال القادر، ولا يمكن الفرق بين حال العالم وبين حال القادر. إذ لا يعلم حال حيث قالوا: إن الصانع لا معدوم ولا موجود ولا ما من ثابت إلا وهو في الحقيقة وجود. إذ لا واسطة بين العدم والوجود، ولو ثبت بينهما واسطة لجاز أن يخرج الشيء من العدم إلى الثبوت ثم من الثبوت إلى الوجود كما جاز أن يخرج من القيام إلى القعود، ثم من القعود إلى الاضطجاع إذ القعود واسطة بين الطرفين.
(٢) انظر (منهاج السنة النبوية) (١/ ٢٦٩ ـ ٢٧١).
(بغية المرتاد) (ص٤١٣ ـ ٤١٧).