للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يألفُها في مستقبل الزمانِ، وأنَّ الكرمَ قد صار له سجيَّةً وطبيعةً لا تفارقه، لا في الزمن الذي هو فيه، ولا في ما بعده من الأزمنة، ولو جاء في هذا النفي بما لم يفدْ هذا المفادَ، لأنها موضوعةٌ لنفي الحال فقط، فيكون ذلك تمدُّحًا بالحالة الحاضرةِ دون ما بعدَها، وليس في ذلك كثيرُ مدْحٍ، ولا عظيمُ فخْرٍ، ولو جاء به في هذا بِلَمْ لكان معناه نفيَ الماضي فقط، وليس في ذلك من المدح ما في نفيه بلا.

وأمَّا قوله: ولِمَ اختار التعريفَ على التنكير؟ فيجاب عنه بأنه لو جاء بالدرهم منكَّرًا لا نكسَرَ الشعر، ولا يطلب للعدول عما ينكسِرُ به الشعرُ إلى ما لا ينكسِرُ به نكتةٌ، وأيضًا لو فرضنا عدمَ انكسار الشعرِ بالمنكَّر لكان في تأثير المعرَّفِ نكتةٌ سريةٌ، ومدحةٌ جليلة، لأنَّ تحليتهَ بلام الجنس أو الاستغراقِ أو الحقيقةِ يفيدان هذا شأنُ كلِّ درهم يصلُ إليهن على أيّ صفة كان، وفي أيَّ زمان أو مكان حصلَ، ولو قال لا يألفُ درهم، لأشْعَرَ بأنه لا يألفُها إذا جاء واحدٌ منها عقبَ واحدٍ، ويمكن أن يقال أنَّ هذه النكرة الواقعةَ في سياق النفي يفيدُ العموم كما صرَّح به أئمة الأصول (١) والبيان، فيكون المعرَّفُ كالمنكَّرِ.

قلت: هما طريقتان مستويتانِ يسلك الشاعرُ أيَّهما شاء [١٠أ]، مع كون أحدهما ينكسرُ بها الشعر بخلاف الأخرى.

وأمَّا قوله: والإفراد على جمع التكسيرِ، فيجاب عنه بأنَّ جمعَ التكسير ينكسر به البيت، فلا يطلب للعدول عنه نكتةٌ، ولو سلمنا أنه لا ينكسر به لكان تأثيرُ الدرهم المعروفِ أكثرَ فائدةً، وأجلَّ مدحًا لما تقرر من أنَّ استغراقَ المفرد أشملُ.

وأمَّا قوله: ولم وصفه بالمضروبِ؟ هل الفائدةُ أوقعُ في القلوب؟

أقول: إن كان الدرهم لا يقال إلاَّ على المضروبِ كأنّ ذكر المضروب للكشفِ والبيانِ كما تقول العربُ في وصف الوجهِ الجميلِ كالدرهمِ المنقوشِ، مع أنَّ الدرهم لا


(١) تقدم مرارًا وانظر (إرشاد الفحول) (ص٤١٨).