للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون إلاَّ منقوشًا، وإن كان الدرهم يقع على القطعةِ من الفضةِ المقدرةِ بذلك القَدْرِ ففي وصفه بالمضروبِ فائدةٌ زائدةٌ، فإنَّ النفوس على المضروب منها أحرصُ، وإليه أرغبُ، ومنه قولُهُ:

وأصغُر من ضربِ دارِ الملوكِ ... يلوحُ على وجهه جعفرُ

وقول الآخر:

ووجوهٌ مثلُ الدنانيرُ مُلْسُ

ثم لا يعاب الشعرُ بالمجيء بالأوصاف الكاشفة لأجل أن يستقيمَ وزنُه، ويخرجَ عن النثر إلى النظم.

وأما قوله: ولِمَ اختار لفظَ الصُّرَّة على ما يقوم مقامَها؟ بينوا سرَّهُ. فيجاب عنه بأنَّ وجه ذلك ما تفيدُه الصّرةُ من كون الدرهمِ يُصَرُّ فيها، ويحفظ على وجه الرَّبط والشدِّ، فإنه لا يكون بهذه المنزلة في المدح بما يخالفُ حالُ البخيل، فإنَّ في ذكره الصُّرَّة إيضاحُ حالةِ البخيل ونفيُها عن الممدوح على أبلغِ وجهٍ، وليس المراد إلاَّ إثباتَ أوصافٍ للممدوح تخالِفُ أوصافَ البخيلِ، على أنَّ صنيع الناس وعملَهم أنْ يحفظوا الدرهم في الصُّرَرِ ويشدُّوها، فالشاعر جاء بما هو المعروف المألوف، فلا يلزمهُ أن يأتيَ بشيء يخالفُ ما هو العادةُ [١٠ب] الجاريةُ، والطريقة المستمرة، وأيضًا إذا كان درهمُه لا يألَفُ الصُّرَّةَ المستوثقَ منها بالشدِّ والرَّبط، فدم إلْفِهِ لما لم يكن كذلك ثابتٌ بفحوى الخطاب كما لا يخفى على الفَطِنِ.

وأمَّا قوله: ولم قدَّم المرورَ على ما يرادفه مما على الألسنة يدور؟

فيجاب عنه: بأنَّ هذا الذي يرادُفه إنْ كان مما لا ينكسرُ به الشعر فما هو؟ وإن كان مما ينكسر به كالمضي والسعي والإسراع ونحوِها فلا يطلبُ للعدول عنه نكتةٌ.

ثم لا يخفى أنَّ المرور قد دلَّ على وصوله إليها، وخروجه عنها، وذلك أمدح لما جُبِلَتْ عليه النفوسُ من الشُّحِّ بما قد صار في حوزةِ الإنسانِ، ووصل إليه.