للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحاوراتهم المشهورةِ عند الناس شهرةً بالغةً إلى الحدِّ المعتبرِ في ذلك فبها ونْمَتْ، وإن لم ينهضْ بذلك فليسَ لأحدٍ أن يقولَ له: هذه الروايةُ باطلةٌ أو غلطٌ، بل غايةُ ما يقال فيها أن راويْها لم ينقلْها على الوجه المعتبرِ، فلم تثبتْ بها الحجةُ، ولا يجوزُ الأخذُ بها حتى يصحِّحَ نقلَها هو أو غيرُه ممن هو أطولُ باعًا منه. وفَرْقٌ بين وصفِ الشيء بكونه لا تقومُ به الحجةُ، أو أنه لا يؤخذُ به، وبين وصِفِهِ بكونه باطلاً أو غلطًا، فإنه يكفي في الأول مجرَّدُ عدمِ تصحيح النقل، ولا يكفي في الثاني إلا وجودُ البرهانِ [٧] المسوِّغِ لنسبةِ الغلطِ إلى الناقلِ أو البطلانِ للمنقولِ، وذلك إما باستقراء لغةِ العربِ استقراءً تامًا على وجه لا يبقى بعده شكٌّ في غلط الناقلِ، أو بطلانِ ما نقلَه، أو بأن يحكي الناقلُ عن نفسه أن جميعَ ما نقلهَ في مؤلَّفه هو من كتاب كذا فلا يوجد ذلك في الأصلِ أو يصحِّفه الناقلُ.

الوجه الثالث: أنه قد تكلم جماعةٌ من أهل العلم المتبحرينَ في اللغة على أحرف مما نقلَه الجوهري في الصحاح، وبرهنوا على ذلك في كتبهم، فنقل عنهم صاحبُ القاموس ما ذكروه مجرَّدًا عن البرهانِ، وقبل الناسُ ذلك منه لثقته وإمامتهِ واضْطِلاعِه بفنِّ اللغةِ.

وعلى فرض عدمِ نَقْلِ ما ذكره صاحبُ القاموس عن التغليطِ لصاحب الصحاحِ من غيره فهو أهلٌ للاستقراء العامِّ والبحثِ الكامل.

الوجه الرابع: إن قلت: فما الحكمُ فيما وجدناه منقولاً في الصحاح للجوهري متعقبًا في القاموس بأنه غلطٌ أو باطلٌ، من دون وجود ما يقتضي تصحيحَ ما نقلَه الجوهريُّ، ولا وجودَ برهان مسوِّغٍ لنسبة الغلط والبطلان؟

قلت: إن تمكن الناظر في الكتابين من البحث المفضِي إلى تصحيح ما نقلَه الجوهري بالطريقة التي قدمنا ذكْرَها فلا اعتبارَ بما ينقلُه صاحب القاموس على الوجهِ المتقدم فلا حكمَ لما ينقلُه صاحبُ الصحاح في ذلك الحرفِ، ولا تقوم به الحجةُ. وإن لم يمكن الوقوفُ على تصحيح النقلِ، ولا على برهان الغلطِ فلا يجوزُ العملُ بشيء من تلك الأحرفِ التي نقلها صاحبُ الصحاح، ونسبَهُ صاحبُ القاموس إلى الغلط فيها، لأن جزمَ مثل صاحبِ