للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك؟

وأقول: هذا سؤالٌ قويٌّ، وبحث سويٌّ، والجوابُ عنه من وجوه:

الأول: إنه لا يقولُ [٦] قائلٌ من أهل العلم أن نسبةَ عالمٍ للغلط إلى عالم آخرَ مقبولةٌ بمجرَّد الدَّعوى، وكما أن هذا لم يقلْ به أحدق فهو أيضًا لا يطابقُ قاعدةً من قواعد العلومِ على اختلافِ أنواعِها، فإن من قال في مقام النقل عن أهل اللغةِ: إن من لغتَهم كذا فليس لأحدٍ أن يقولَ: هذا باطلٌ أو غلطٌ، ولا سيما إذا كان الناقلُ مثلَ الجوهري في إمامِته وثقتهِ وقبولِ الناس لروايتِه قرنًا بعد قرن، واحتجاجِ أهلِ العلم بما نقلَه في صحاحِه من عصره إلى الآنَ. (١)

الوجه الثاني: غايةُ ما يقال لمن ينقل عن العرب شيئًا من لغتِهم بعد ثبوت كون الناقلِ ثقةً: نحن نطلبُ منك تصحيحَ النقلِ، فإن جاء بما يفيدُ ذلك، وإما برواية صحيحةٍ عن العرب على الحدِّ المعتبرِ في نقل اللغةِ كما هو مدوَّنٌ في الأصول، أو باستخراجِ ذلك من كلماتِهم التي قد اشتغلَ بجمعِها الثقاتُ الأثباتُ، كدواوين أشعارهم ومجاميعِ خُطَبهم


(١) قال أبو بكر زكريا الخطيب التَّبريزي اللُّغوي: كتاب الصحاح هذا كتاب حسن الترتيب، سهل المطلب لما يراد منه، وقد أتى بأشياء حسنة، وتفاسير مشكلات من اللغة، إلا أنَّه مع ذلك فيه تصحيفٌ لا يشك في أنَّه من المصنف لا من الناسخ، لأن الكتاب مبنيٌّ على الحروف، قال: ولا تخلو هذه الكتبُ الكبار من سهوٍ يقع فيها أو غلطٍ، غير أن القليل من الغلط الذي يقع في الكتب إلى جنب الكثير الذين اجتهدوا فيه وأتعبوا نفوسهم في تصحيحه وتنقيحه معفوٌ عنه.
قال الثعالبي اللغوي في كتابه (يتيمة الدهر) في محاسن أهل العصر: كان الجوهريُّ من أعاجيب الزمان وهو إمام في اللغة وله كتاب الصحاح. وفيه يقول أبو محمد إسماعيل بن محمد بن عبدوس النيسابوري:
هذا كتاب الصِّحاح سيدُ ما ... صُنِّف قبل الصحاح في الأدب
تشمل أبوابه وتجمع ما ... فُرِّق في غيره من الكتب
وقال ابن بزيّ: الجوهري أنْحى اللغويين.
انظر: (المزهر في علوم اللغة) وأنواعها (١/ ٩٧ ـ ٩٩) للسيوطي.