للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا جمُعُ من جمَعَ بعدم ظهورِ سيحانَ وجيحانَ على وجه الأرضِ وإن كانا من أنهار الجنة نظرًا منه إلى ما وقع من توصيفِهما بكونهما باطنينِ، فإنه ليس في هذا الوصف ما يستلزمُ أنهما لا يظهرانِ أبدًا، إذا صدقُه يوجدُ بما ذكرناه، ولو كان الأمر كما قال هذا لم يكن لإخبارِه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ للأمَّةِ بأن الأربعة الأنهارِ من أنهار الجنة كثيرٌ فائدةٍ بعد تسميته لها بأسمائها المعروفةِ عند أهل الدنيا، مع اعتقادهم بوجود مسميَّاتِها في بقاع الأرضِ، وليست ذلك من قبيل الأخبار بما في الجنة كما وقع في الكتاب العزيز من أخبار الله ـ عز وجل ـ بما فيها من أنهار الماء والعسلِ والخمرِ واللبنِ، (١) بل من باب الأخبار بما صار في الدنيا من أنهار الجنةِ كما تفيده ألفاظُ الأحاديث وسياقاتُها.

فتقرَّر بمجموع ما ذكرنا صحةُ ما قاله صاحب القاموس في سيحانَ وجيحانَ، وسيحون وجيحونَ. وتبين ما هو منها من أنهار الجنةِ وما ليس منها، وظهر تعيينُ مواضعِ ما هو من الجنةِ، وتعيينُ مواضعِ ما ليس منها، ولم يبقَ في الكلام على هذا التقرير إشكالٌ.

وأما ما سأل عنه السائل ـ كثر الله فوائده ـ من تغليط صاحب القاموس (٢) لصاحبِ الصحاح في مواضعَ كثيرةٍ جدًّا كما هو مصرَّحٌ بذلك في القاموس.

وحاصلُ السؤال أنه هل يقبل من صاحب القاموس مجرَّدُ ما يقعُ منه من دعوى غلطِ صاحب الصحاح من دون أن يقيمَ على ذلك برهانًا مقبولاً، أم لا بدَّ من البرهان على


(١) لقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ} [محمد: ١٥].
(٢) قال صاحب (القاموس): العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي في مقدمة القاموس (ص٣٥): ثم إنّي نبَّهت فيه على أشياء ركب فيها الجوهري ـ رحمه الله ـ خلاف الصواب، غير طاعن فيه، ولا قاصدٍ بذلك تنديدًا له، وإزراء عليه، غضًّا منه، بل استيضاحًا للصَّواب، واسترباحًا للثواب، وتحرزًا وحذارًا من أن ينمى إلىَّ التصحيف، أو يعزى إلىَّ الغلط والتحريف ... ".