للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتهى كما في صحيح البخاري. وإنما التقسيم للكينونةِ التي يتفرَّع عنها الانتفاعُ.

وقد وقع في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عنه ـ صلي الله عليه وآله سلم ـ في حديث المعراج: «فإذا فيها عينٌ تجري يقال لها السلسبيلُ، فينشقُّ منها نهران: أحدُهما الكوثرُ، والآخر يقال نهرُ الرحمةِ» (١) قال الحافظ في فتح الباري، (٢) قلت: فيمكن أن يفسَّر بهما النهرانِ الباطنانِ المذكورانِ في حديث الباب، وكذا روى عن مقاتل قال: الباطنانِ السلسبيلُ والكوثرُ انتهى.

قلتُ: فيما روي [١٤] عن مقاتل نظرٌ، فإنه ثبت أن الكوثرَ من السلسبيلِ فيكون قد قسم الشيءَ إلى نفسهِ، فالأصح ما ذكره الحافظ ـ رحمه الله ـ.

قوله ـ كثر الله فوائده ـ: ثم صار إلى الجمعِ بأنه لم يثبتْ في سيحانَ وجيحانَ أنهما من الجنةِ ليس لأحدٍ أن يقول ذلك، وكيف يقولُه وقد ورد عن النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ في حديث صحيح صريحٍ! ولهذا ردَّه شيخان ـ أبقاه الله تعالى ـ وقد صار بعضهم إلى حملها على المجازِ والمرادُ أنها لشدةِ عذوبتِها وكثرةِ منافعِها وبركتِها كأنهار الجنة، أو أن في الجنة أنهارًا تسمَّى بهذه الأسامي، أو أن الإسلام قد طبقَ الأراضي التي هي فيها فالأجسامُ المتعديةُ بها صائرةٌ إلى الجنة، وحملُها على ظاهرِها أولى.

وأما قوله ـ أبقاه الله ـ: والأمر أقربُ من ذاك، ومعنى كلام النبوة أوضحُ. فإن غاية ما يستلزمُهُ كونُ سيحانَ وجيحانَ باطنينِ أن لا يظهر انصبابُهما من نفسِ الجنةِ، بأن يجريا من باطنِها إلى باطن الأرضِ، ثم يظهران حيث ظهرا، فكلامٌ مبنيٌّ على غير أساسٍ لما عرفت من عدم وقوعِه في الحديث أصلاً.

قوله ـ حرس الله ذريته ـ: وكذا جمع من جمع لعدم ظهورِ سيحانَ وجيحانَ على


(١) وهو حديث ضعيف جدًّا.
أخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (٢/ ١٣٦ ـ ١٤٢).
(٢) (٧/ ٢١٤).