للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«أربعةَ أنهار يخرجُ من أصلها: نهرانِ ظاهرانِ، ونهران باطنانِ، فقلت: يا جبريلُ، ما هذه الأنهارُ؟ قال: أما النهرانِ الباطنانِ فنهرانِ في الجنةِ، وأما النهرانِ الظاهرانِ فالنيلُ والفراتُ» فهذا ما بني عليه قولَه: وحينئذ لم يثبتْ لسيحونَ وجيحونَ أنهما ينبعانِ من أصل سدرةِ المنتهى، فيمتازُ النيلُ والفراتُ عليهما بذلك، أي لأنه قد ثبتَ لهما ذلك في الحديث الصحيح المذكور.

قوله ـ زاده الله علمًا ـ: أعني حديثَ المعراجِ، بل لم يردْ عنه في رواية ضعيفةَ فضلاً عن صحيحة. قال القرطبي (١): لعل تركَ ذكرِهما في حديث الإسراء لكونهما ليسا أصلاً برأسيهما، وإنما يحتمل أن يتفرَّعا عن النيل والفرات. وقد ثبت فيهما أنهما ظاهرانِ، والعجبُ كلَّ ا لعجب من شيخنا العلامةِ ـ أدام الله علاه ـ مع طول باعه، وسَعَةِ اطلاعهِ وشدة فهمهِ، وكثرة علمه. كيف وقع هذا في كلامه، وبنى عليه، ولم ينكره! بل وجَّهَهُ وقرَّره، وبيَّن معناه، وفرع عليه دفعَ المعارضةِ، وصرَّح بأنه من كلام النبوةِ، بل لم يقل أحد من أئمة الحديث فيما أعلم مع شدة البحثِ في ذلك أن النهرينِ الباطنينِ المذكورين في حديث المعراج هما سيحانُ وجيحانُ، وكيف يقولُ ذلك وقد صرَّح في الحديث المذكور مع صحتِه أن النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ سأل جبريلَ ـ عليه السلام ـ عنهما فقال: «أما الباطنان ففي الجنة»، أو في لفظ للبخاري (٢) ومسلم (٣): «فنهران في الجنةِ، وأما الظاهرانِ فالنيلُ والفراتُ» فمعنى قوله ففي الجنة أن منبعَهما ومستقرَّهما والانتفاعَ بهما كائنٌ في الجنة، لا في الدنيا، وإلا لما كان لتخصيصهما بقوله ففي الجنَّة معنى يُعْتَدُّ به، لأن الجميعَ من أنهار الجنة قد شاهدها تنبعُ من أصل سدرةِ


(١) ذكره الحافظ في (الفتح) (٧/ ٢١٤).
(٢) في صحيحه رقم (٣٢٠٧، ٣٨٨٧).
(٣) في صحيحه رقم (٣٢٠٧، ٣٨٨٧).