للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيء من الدنيا. ثم الدليل العقلي قد دل على جواز الاستشفاء بالأدوية، بل على مشروعية ذلك، وهذا منها. وقد يكون المدعي لذلك مخرقا متحيلا لطلب ما يحصل له من الجعل، وهذا لا شك أنه إذا عرف منه ذلك لم يجز قصده، ولا التداوي كما لو عرف من يدعى الطب. ممثل ذلك، وليس كلامنا إلا فيمن عرف حاله بإدراك تلك الصناعة وجرب.

قال- كثر الله فوائده-: المسألة الثالثة: إذا أتى الرجل الجماعة، فوجد قد أم رجل غير مرضى عنده، وإن كانت أحوال الناس مبنية على السلامة، وإحسان الظن بالمسلمين أولى من الوساوس الشيطانية، والأوهام الفاسدة- أعاذنا الله من ذلك- وإنما قد يفضل ذلك كثير من الفقهاء المتسميين، فهل يجوز له اجتناب الجماعة؟ إلخ ما ذكره.

أقول: هذا الداء العضال لا يتعلق إلا بأحد رجلن: إما جاهل للشرائع وكفى بجهله حجة عليه، ويجب على أولي الأمر ومن لهم قدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يعاقبوه حتى يترك ما خيله له جهله ويكرهوه على أن يسلك مسلك غيره من عباد الله من الائتمام. ممن يؤمهم، فالجاهل يقتدي بغيره، ويسأل أهل العلم، حتى ترتفع عنه الجهالة، ويعرف المسالك الشرعية، فما جئ عليه سوى جهله، وعلى براقش نفسها (١) تجئ وإما رجل قد تلبس بشيء من العلم من دون أن يمعن فيه، ويعرف ما ورد في تحسين الظن الحسن، ويقبح الظن السيئ، فهذا أشد الرجلين ذنبا، وأكثرهم إثما، فإنه لا يفعل ذلك إلا وقد صار معجبا بنفسه، وصار مستحقرا لغيره، فجمع بين ذنبن عظيمين، ولا سيما إذا كان له هيئة. بملبوسه، فإنه يقتدي به من يراه من العوام، ويصنعون كصنعه، [٥ب] فيضل ويضل. وقد تأملنا حال جماعة ممن أصيب هذا الداء فوجهناهم متفقين في


(١) قال الميداني في مجمع الأمثال (٢/ ٣٣٧): كانت براقش كلية لقوم من العرب، فأغير عليهم، فهربوا ومعهم براقش فاتبع القوم آثارهم بنباح براقش، فهجموا عليهم فاصطلموهم، قال حمزة بن بيض.
لم تكن عن جناية لحقتني ... لا يساري ولا يميني رمتني
بل جناها أخ علي كريم ... وعلى أهلها براقش تجني