للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحيحة بالضرورة العقلية، كما ثبت بالضرورة الدينية. ومعلوم أنهم إذا كانوا ذوى عقول فمهما وجدت معهم فهي بالإمكان العام والخاص قادرة على كسب ما تحدد لها من العلوم، ذاكرة لما حصل لها منها من قبل هذا ما لا يحتاج إلى بيان، ولا يفتقر إلى برهان. ولو فقدوها لفقدوا الإنسانية الكاملة، وصاروا مشاهن للدواب، وأي نعمة لمن عقل له كما هو مشاهد من المصابين بالجنون في الدنيا! وأي فائدة للمبالغة في نعيم من كان ذاهب العقل. مما ثبت في الكتاب والسنة من أنهم على صفات فوق صفاتهم في الدنيا. بمسافات! لا يقادر قدرها، ولا يحاط بكنهها. وكذلك لا يتم نعيمهم إلا بوجود الحواس (١) الظاهرة والباطنة، ولو فقدوا أحدها لما تنعموا كما ينبغي وكذا لو فقدوا


(١) أخرج مسلم في صحيحه. رقم (١٨/ ٢٨٣٥) من حديث جابر قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون" قالوا: فما بال الطعام؟ قال: " جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس".
قال القاضي عياض في " إكمال المعلم بفوائد مسلم (٨/ ٣٦٨) تعليقا على الحديث: "أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ": هذا مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن نعيم أهل الجنة وملاذها بالمحسوسات وغيرها من الملاذ العقليات كأجناس نعيم أهل الدنيا، إلا ما بينهما من الفرق الذي لا يكاد يتناسب، وأن ذلك على الدوام لا أخر له .... "
وقال القرطبي في "المفهم" (٧/ ١٨٠): بأن نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع، ولا شرابهم عن ظمأ ولا تثيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية ونعم متناهية. وحكمة ذلك أن الله تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وزادهم على ذلك مالا يعلمه إلا الله ... ".
وقال ابن تيمية في "مجموع فتاوى" (٤/ ٣٣٠): فإن أهل الجنة يتنعمون بالنظر إلى الله- سبحانه وتعالى- ويتنعمون بذكره وتسبيحه ويتنعمون بقراءة القرآن ويقال لقارئ القرآن اقرأ وارق، ورتل- كما كنت ترتل في الدنيا فان منزلك عند آخر آية تقرؤها. ويتنعمون. بمخاطبتهم لربهم ومناجاته