للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضها لم يكن له شعور بالتنعم الذي وصفه الله- سبحانه-، وبالغ فيه. وأي فائدة لفاقد العقل! وأي شعور له بكونه على صفة كمالية في جماله، ولباسه الحرير والديباج وتحليه بالذهب والجواهر، وأكله من أطيب المأكل، وشربه من أنفس المشروب، وكذا لا نعمه تامة فضلا عن أن يكون فاضلا لمن كان أعمى أو أصم، أو لا يفهم شيئا، أو لا يذكر ما مضى له، ولا يفكر في ما هو فيه.

وإذا تقرر لك هذا علمت أن أهل الجنة لهم العقول الفائقة، والحواس الكاملة إلى حد يتقاصر عنه ما كان لهم من العقول والمشاعر في دار الدنيا، كما كان لهم الهيئة الفائقة هيئة الدنيا شبابا وجمالا، وقوة وفهما، وفكرا وذكرا، وحفظا وسلامة من كل نقص. ولو لم يكن الأمر هكذا لم يكن لهم فائدة. مما بولغ في شأنهم من الصفات، بل يعود ذلك بالنقص لما أثبت لهم منها في الجنة. هذا معلوم بالعقل والشرع، لا يتمارى فيه قط. وأقل حال أن يكون النعيم المحكوم لهم به في الجنة كتابا وسنة ناقصا. والمفروض أنه بالغ في الكمال إلى غاية فوق كل غاية هذا خلف يدافع نصوص الكتاب والسنة مدافعة يفهمها كل من له عقل وإدراك. فيا عجبا كل العجب من التجري على أهل هذه الدار التي هي دار النعيم المقيم على الحقيقة. مما ينغص نعيمهم، ويشوش حالهم، ويكدر [٢أ] صفوهم، ويمحق ما أعده الله لهم! ومن التجري على الله- سبحانه-، وعلى رسوله. مما يستلزم عدم ثبوت ما أثبته الكتاب والسنة لهم، وتكديره وذهاب أثره، ومحق بركته! وأنت تعلم أن مثل هذا يستلزم الكفر الصراح. فأين هذا القادح الفادح من نعيم دار يعدل موضع سوط أحدهم فيها الدنيا بأسرها، وجميع ما فيها، ومن دار نصيف إحدى زوجاتهم يعدل الدنيا وما فيها، ومن دار لو أشرفت إحدى الجواري (١) المعدة لهم


(١) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٢٧٩٦) من حديث أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " .... ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (٣٢٤٥) وقد تقدم ذكره.
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن"