للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخرة، فانظر إلى هذه الدار دار الدنيا التي ليست بشيء بالنسبة إلى الدار الآخرة، لو قيل لأحدهم أنه سيكون لك ما تريد من جمال الهيئة وكمالها، ومن النعيم البالغ، ومن الرياسة التامة، ولكن ستصاب بالجنون، أو تفقد جميع المشاعر لقال لا ولا كرامة، دعوني أعش صعلوكا فقيرا شحاذا فهو أطيب لي مما عرضتموه علي، وأحب إلي مما جئتموني به.

خذوا رفدكم لا قدس الله رفدكم ... سأذهب عنه لا علي ولا ليا

وإنما أوردنا لك هذه الأمور ليعلم أن الروح للإنسان إذا كان ساذجا كان كله ساذجا، إذ الروح هو الإنسانية التي يتميز بها صاحبها عن الدواب، وجميع ما ذكرنا من العقل والحواس الباطنة والظاهرة هو له، لا للحم ولا للدم ولا للعظم، فإذا كان الروح ساذجا فلم يبق إلا صورة اللحم والدم، وهو المقصود بقولهم في بيان ماهية الإنسان أنه حيوان ناطق، أي مدرك للمعقولات، وليس ذلك للقالب الذي هو فيه. وكما أن ما ذكرناه وقررناه هو إجماع الطوائف الإسلامية على إخلاف أنواعهم فهو أيضًا إجماع أهل الشرائع كلها كما تحكي ذلك كتب الله- عز وجل- المرسلة على رسله، وتحكيه أيضًا كتبهم المؤلفة من أحبارهم ورهبانهم، فإنه لا خلاف بينهم في المعاد وفي النعيم المعد لأهل الجنة، كما حكاه الكتاب العزيز. وقد أوردنا من ذلك في الحرة الفاخرة (١) في إثبات الدار الآخرة، وفي إرشاد الثقات (٢) إلى اتفاق الشرائع على إثبات التوحيد والمعاد والنبوات كثيرا من نصوص (٣) التوراة والإنجيل والزبور وسائر كتب نبوات أنبياء الله


(١) يشير إلى الرسالة رقم (١٠) من هذا القسم " المقالة الفاخرة ".
(٢) وهى الرسالة رقم (٩) من هذا القسم.
(٣) تقدم في تحقيق الرسالة رقم (١٠)، (٩) من هذا القسم.