قال الحافظ في الفتح (١١/ ٢٩٥): " قال ابن بطال في الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: ٧٢]. ما محصله أن تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها. ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فصرح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال، وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها. مما كنتم تعملون، وليس المراد بذلك أصل الدخول. ثم قال: ويجوز أن يكون الحديث مفسرا للآية. والتقدير ادخلوها. مما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته. وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك. ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله وقد تفضل عليهم ابتداء بإيجادهم ثم برزقهم ثم بتعليمهم، وقال عياض طريق الجمع أن الحديث فسر ما أجمل في الآية. وبعد ذلك نقل الحافظ كلام ابن الجوزي: يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة: الأول: أن التوفيق للعمل من رحمة الله، ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة. الثاني: أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه، فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله. الثالث: جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله، واقتسام الدرجات بالأعمال. الرابع: أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا. بمقابلة الأعمال ثم ذكر الحافظ بعد ذلك كلام ابن القيم فقال: قال ابن قيم الجوزية في كتابه " مفتاح دار السعادة " كما في الفتح (١١/ ٢٩٦) الباء المقتضية للدخول غير الباء الثانية، فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والثانية باء المعاوضة نحو اشتريت منه بكذا فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة، لأن العمل. بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا أن يكون عوضا لها. لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فتبقى سائر نعمة مقتضية لشكرها وهو لم يوفها حق شكرها. ا هـ. انظر فتح الباري (١١/ ٢٩٦)