للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاصل على كل هذه الأمور [٩].

وأما الثاني: فلأن الواحد (١) منا إنما يرى لأجل كونه حيا لشرط صحة الحاسة وارتفاع الموانع ووجود المدرك، وقد اختلف في هذه الأشياء أهي كافية في كون أحدنا مدركا أم لا؟. فقال الجمهور إن كافية، فمن حصلت هذه الأشياء أدرك المدركات، ومن تخلف شيء منها لم تدرك. وقال أبو علي والأشعري: بل لا بد من أمر آخر وهو الإدراك، إذ هو معن عندهم يخلقه الله عند المشاهدة ونحوها من الحواس. واختلف الجمهور الذين قالوا هذه الأمور كافية: هل العلم بذلك ضروري أو اكتسابي؟.

فقال أبو الحسن: (٢) هو ضروري فإنا نعلم ضرورة أن أحدنا من كان صحيح الحاسة والموانع مرتفعة والمدرك موجود وجب أن يدرك، ومن تخلف شيء منها استحال أن يدرك. وقال (٣) الجمهور بل اكتسابي استدلالي وذلك أنا وجدنا الإدراك يتحصل عند اجتماع هذه الأمور عند انتفاء شيء منها على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة، فعلمنا أن كافية في الإدراك وأن لا تفتقر إلى أمر سواها، وإذا ثبت ذلك فلا التباس أن هذه الأمور مجتمعة في أحدنا بالنسبة إلى القديم تعالى، أما صحة الحاسة فظاهر وأما ارتفاع الموانع فلأن الموانع منحصرة في الثمانية المعروفة وكلها إنما تمنع من رؤية الأجسام والألوان، والله تعالى ليس بجسم ولا لون فلا تكون مانعة من فثبت الأصل الثاني. وأمما الثالث فلأنه إذا حصل الموجب للإدراك- وهو كون أحدنا حيا واجتمعت الشرائط- وجب حصول المقتضى وهو الإدراك، وإلا خرج المقتضى عن كونه مقتضيا، وهو محال. فهذا تحرير دليل الموانع [١٠] على سبيل الاختصار.


(١) انظر تلببس الجهمية (٢/ ٨٥ - ٨٦).
(٢) أبو الحسن الأشعري وقد تقدم التعريف به (ص١٥١)
(٣) انظر تلبيس الجهمية (٢/ ١٠٥ - ١٠٧).