للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما دليل المقابلة فتحريره أن يقال: أحدنا إنما يرى بالحاسة والرائي بالحاسة لا يرى إلا ما كان (١) مقابلا أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل، والله تعالى ليس بشيء من ذلك، وقد حرر السيد ما ذكرتم في شرح الأصول تحريرا مطولا، وقد يحرر دليل المقابلة على تحرير آخر فرارا من الاعتراض الوارد على هذا التحرير من أن ذلك إنما يحصل باستمرار العادة وإن كان يصح خلافه، أو أن ذلك إنما هو شرط في رؤية الأجسام والألوان، وأما رؤية الله فلا يشترط فيها ذلك.

وصورة ذلك التحرير أن يقال: الواحد منا إنما يرى بالشعاع، والرائي بالشعاع إنما يرى ما كان متحيزا أو مختصا بجهة يتصل ها الشعاع، فلو صحت رؤيته لكان متحيزا ولا مختص بجهة يتصل ها الشعاع، فهذه ثلاثة أصول:

أما الأصل الأول: وهو أن أحدنا إنما يرى بالشعاع، فلأن الرؤية المعقولة في الشاهد إنما هي الرؤية بالشعاع، فإن الله تعالى ركب بنية العين تركيبا مخصوصا وجعل لها شعاعا، وهو أجزاء نور مناسبة لتلك البنية فبمجموعها يحصل الإدراك، ولهذا فإن أحدنا إذا اشتد عليه الظلام زال إدراكه لزوال الشعاع، وإن كانت حاسته في نفسها صحيحة، فعلم أن أحدنا إنما يرى بالشعاع (٢).

وأما الأصل الثاني: وهو أن الرائي بالشعاع لا يدرك إلا ما كان متحيزا أو مختصا بجهة يتصل الشعاع- فلأن أحدنا إذا اثبت أنه رأى بالشعاع لم ير إلا ما وقع عليه ذلك الشعاع واتصل به، إذ لو رأى ما لم يتصل به لما كان أحدنا رائيا بالشعاع حينئذ، بل لا يفتقر إليه البتة، بل كان يلزم صحة أن يدرك جميع المدركات، ولو وجد من الموانع ما وجد، إذ تلك الموانع كلها تمنع من اتصال الشعاع، والمعلوم خلافه، فعلم أنه لا بد من اتصال الشعاع المرئي، والشعاع حاصل في الجهات لأنه أجزاء رقيقة نورية


(١) انظر مناقشة ابن تيمية لذلك في تلبيس الجهمية (١/ ٣٥٩)
(٢) انظر الإرشاد للجويني (ص:١٦٠)