للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولكم: وليس في أخذ الصاعقة الخ. فباطل، إذ ما ساقه الله تعالى من حكايتهم، دال على أفم قد فهموا أن هذه الصاعقة بسبب الرؤية إلى اقترحتموها وترجم موسى عن مقترحهم، وحصل عندهم علم ضروري بذلك، كيف وقد قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (١) وقد عرفتم أنه ليس هناك إلا صاعقة واحدة، وسؤال واحد وإنما حكاه الله تعالى في مقامين كما حكا غيره من قصص الأنبياء في مواضع، ثم قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} (٢)، دليل واضح على أن الظلم هو سؤال رؤية رب العزة.

وأما قولكم: " فأنكر الله ذلك عليهم ". ففاسد. ولو كان الإنكار عليهم ليس إلا من هذه الحيثية لما كان لوصف سؤالهم كونه جهرة معي يعتد به.

(ومنها) أن موسى، لم يسأل الرؤية، بل تجوز ها عن العلم الضروري لأنه لازمها، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع، فكأنه قال: اجعلني عالما بك علما ضروريا، وهذا تأويل أبي الهزيل العلاف (٣)، وتبعه فيه الجبائي (٤) وأكثر البصريين.

وأجيب: بأن الرؤية المطلوبة في " أرنا " لو كانت. معي العلم لكان النظر المترتب عليها. بمعناه أيضا، واستعمال النظر المعدي بإلى بمعنى العلم إن ثبت مخالف للظاهر، فلا يجوز إلا بدليل ولا دليل، فوجب حمله على الرؤية البصرية.

ومما يدل على امتناع حملها على العلم هاهنا استلزام السؤال ألا يكون موسى عالما


(١) [البقرة:٥٥]
(٢) النساء:١٥٣
(٣) هو أبو الهزيل محمد بن الهزيل بن عبد الله، البصري العلاف شيخ المعتزلة أخذ الاعتزال عن عثمان ابن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، واختلف في وفاته فقيل سنة ٢٦٦ هـ وقيل ٢٣٥ هـ. وله فضائح كثيرة فيما أحدثه من البدع انظر: الملل والنحل (١/ ٦٤) شذرات الذهب (٢/ ٨٥).
(٤) تقدمت ترجته (٢٦٤).