للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بربه ضرورة مع أنه يخاطبه وذلك لا يعقل لأن المخاطب في حكم الحاضر المشاهد. والجواب ب " لن تراني " وهو لنفى الرؤية البصرية لا العلم، بإجماع المنكرين، ولهذا جعلوه دليلا لهم، ومطابقة الجواب للسؤال لازمة.

ودفعه المانع بقوله: أما قولكم: واستعمال النظر المعدي بإلى. الخ نحن نسلم أكثريته في البصري، ولا مانع من استعمال الشيء في القليل، لا سيما مع قيام الدليل المانع من استعماله في الأكثر، وهو ما حررناه سابقا من الدليل العقلي على امتناع الرؤية فكيف قلتم: ولا دليل على أن الأكثرية. ممجردها غير كافيه في دعوى النص على المطلوب، وقولكم يلزم ألا يكون موسى عالما بربه ... الخ. مبثت على عدم تفاوت مراتب الضروري [٣٠] قوة وضعفا، ومعلوم أن المحسوس بالنظر أقوى من المعلوم بحاسة السمع. وأما قولكم: والجواب على تراني ... الخ ".

فجوابه: ما ذكره العلامة في الكشاف (١): من قوله: " وتفسير آخر وهو أن يريد بقوله: {أرنا أنظر إليك}، عرفني نفسك تعريفا واضحا جليا كأنه رآه في جلائها بأية مثل آيات القيامة التي تضطر الخلق إلى معرفتك: أنظر إليك: أعرفك معرفة اضطرار وكأني أنظر إليك، كما جاء في الحديث: " سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " (٢) يعني: ستعرفونه معرفة جلية هي في الجلاء، كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى، قال: " لن تراني " لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة ... " إلى آخر كلامه.

وكون هذا التأويل خلاف الظاهر غير مضر، لأن العدول عن الظاهر لقيام الدليل على خلافه، وليس في هذا التأويل من مخالفة الظاهر ما في تأويل الرازي (٣) لقوله: {لا تدركه الأبصار} (٤)


(١) الكشاف (٢/ ٥٠١ - ٥٠٤)
(٢) تقدم تخريجه في هذه الرسالة
(٣) انظر التفسير الكبير (١٣/ ٢٥ - ١٢٦)
(٤) الأنعام: ١٠٣