للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيث قال لا تدركه العقول كما سلف.

(ومنها): أن موسى عليه السلام، سأل الرؤية لنفسه وإن علم استحالتها بالعقل ليتأكد دليل العقل بدليل السمع، فيتقوى علمه بتلك الاستحالة.

وأجيب بأن موسى- عليه السلام- كان يمكنه طلب التأكيد من غير ارتكاب سؤال ما هو محال، ودفع: بأن السؤال لم يكن في الحقيقة طلبا للمحال بل كان طلبا لإظهار ما يردع بعض الأوهام عن الضلالي ولاستفادة ما لم يخطر له على بال ويظهر لقومه امتناع رؤية الكبير المتعال. فرسخ الأمر عندهم كرسوخ الجبال. كما قال من قال: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} (١) وقال: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} (٢) مع إمكان غير [٣١] المطالبة لهم بسؤالهم لكونها أنفع وأقطع.

وإلى هنا انتهت الوجوه المعترض على الوجه الأول.

واعترض على الوجه الثاني باعتراضات أحسنها أنه علق الرؤية على استقرار الجبل، إما حال سكونه أو حال حركته، الأول ممنوع والثاني مسم.

بيانه: أنه علق وجود الرؤية (٣) عليه حال سكونه للزوم وجود الرؤية بحصول الشرط الذي هو الاستقرار وهو باطل، فإذن قد يقال إنه علقه عليه حال حركته، ولا خفاء في أن الاستقرار حال الحركة محال، فيكون تعليق الرؤية عليه تعليقا بالمحال فلا يدل على إمكان المعلق بل على استحالته.

وأجيب: بأنه علقه عليه من حتى هو من غير قيد نشط، والراجح عين المرجع فيكون مطلقا عن القيد أيضًا وإلا لزم الإضمار في الكلام وهو خلاف الأصل الذي لا


(١) البقرة:٢٦٠
(٢) الأنبياء:٦٣
(٣) انظر: التفسير الكبير للرازي (١٤/ ٢٣١ - ٢٣٢)