للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصار إليه إلا بدليل، ولا دليل. ولا شك أن استقرار الجبل من حيث هو ممكن.

ودفع بأن التعليق على استقرار الجبل من حيث هو لا مانع له إذ الواقع في الخارج لا يكون مطلقا إنما يكون مقيدا، والتعليق ليس على ما يقع في الخارج- أعي: المعلق المعقول من دون قيد حركة ولا سكون- وعلى الجملة فإن التعليق في ظاهر الأمر بادئ بدء تعليق على ممكن، لكن عدم استقرار الجبل كشف عن كون التعليق على غير ممكن.

فمن نظر إلى انه علق على ممكن كصاحب الغايات فقد نظر إلى بادي الأمر، ومن نظر إلى عاقبة الأمر وقال المانع: هي- أعني قوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (١) في دالة على عدم وقوع الرؤية في جميع الأزمان لوجهين

[٣٢]: (الأول): أن لن لتأبيد النفط وتأكيده كما صرح بذلك الزمخشري في مؤلفاته، نص على التأبيد في النموذج (٢) والتأكيد في كشافه (٣) ومفصله قال المحلى في " شرحه على جمع الجوامع ": وقد نقل التأبيد عن غير الزمخشري ووافقه في التأكيد كثير، حتى قال بعضهم: إن منعه مكابرة، انتهى.

وقد ذكره السيوطي على هذا في الإتقان (٤) ناقلا عن بعضهم وحكى موافقة ابن عطية (٥) على التأييد.

وأجيب عن ذلك. مما ذكره ابن مالك (٦) من أنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها


(١) الأعراف:١٤٣
(٢) ذكره صاحب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (١/ ٢٨٤).
(٣) (٥٠٢/ ٢ - ٥٠٤).
(٤) (٥٥١/ ١ - ٥٥٢)
(٥) ذكره السيوطي في الإتقان (١/ ٥٥٢).
(٦) في شرح الكافية الشافية لا بن مالك (١٥١٥/ ٣) حيث يقول ابن مالك في الكافية وقال محمد محي الدين عبد الحميد في عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك (٤/ ١٣٦ - ١٣٧) التعليقة رقم (٢).
ادعى جار الله الزمخشري دعويين كل منهما غير مسلمة له.
أما الدعوى الأولى فذكرها في كتابه الأنموذج، وحاصلها أن لن تدل بحسب وضعها على تأبيد النفي، وأنه لا غاية له ينتهي بليها، وعلى قوله: هذا يبطل تقسيمنا نفى لن إلى الضربين اللذين ذكرناهما وهما نفى له غاية ينتهي إليها- ونفي لن مستمرا إلى غير غاية- ويكون نفى نوعا واحدا، رقد استدل لما ذهب إليه بنحو قوله تعالى: {لن يخلقوا ذبابا}.
ولا صحة لما ادعاه، ولا دليل له فيما استدل به، فأما عدم صحة دعواه فيدل له ثلاثة أمور:
أولاً: أن لن لو كانت دالة على تأبيد النفط في كل مثال ترد فيه لكان ذكر طر٠٠ف دال على
وقت معين معها تناقضا وقد ذكر القران الكريم لفظ (اليوم) معها في قوله: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} إذ كيف ينتفي تكليمها إنسيا نفيا مستمرا لا إلى غاية ثم يقيد ذلك بقوله اليوم في أفصح كلام وأبعده عن التناقض والاختلاف.
الوجه الثاني: أن لن لو كانت تدل كلما ذكرت على تأبيد النفي لكان ذكر لفظ (أبدا) معها تكرار لأن المفروض أنه مستفاد منها، وقد ورد ذكر أبدأ معها في القرآن في نحو قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} والقرآن مصون عن التكرار.
الوجه الثالث: أنها لو كانت دالة على تأبيد النفي لم يصح أن يذكر معها ما يدل على انتهاله نحو ما ذكرنا من قوله تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} وقوله جلت كلمته: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} وأما استدلاله على أنها تدل على تأبيد النفط بقوله تعالى نم لن يخلقوا ذبابا " فغير صحيح، لأن الدلالة على استمرار عجزهم عن خلق الذباب لم تدل عليه لن، وإنما يدل عليه دليل عقلي كما قلناه في أول كلامنا، وكلامه في دلالة لن وضعا، ولئن سلمنا جدلا دلالتها على تأبيد النفي في هذه الآية. معونة العقل فأنا لا نسلم أنها في كل تعبير ترد فيه تدل على تأبيد النفط فبطلت دعواه ولم يسلم له استدلاله وأما دعواه الثانية فإنه ذكر في الكشاف في تفسير قوله تعالى لموسى: {لن تراني} أن لن