للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعده وهو: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} (١) على حسب ما سبق تقريره، ويكون المسوغ لهذا مع احتماله هو الدليل الموجب للمصير إلى أحد الاحتمالين كما سلف. ومما يقوي هذا المسلك الذي سلكناه ويرجحه هو ما تقرر بإجماع أهل النظر أن الجمع مقدم [١٠ب] على الترجيح، وأن إعمال الأدلة جميعها أولى من إهمال بعضها. وقد أفرد جماعة من متأخر العلماء هذه المسألة بالتصنيف، ولم نقف عند تحرير هذا الجواب على شيء من ذلك، فمن وجد فيها غير ما أوردناه هاهنا فليعط النظر حقه، ويستعمل من الإنصاف ما لا بد منه، ويذهب إلى ما يرجحه. ولكنا لم نقف على شيء يصلح للتمسك به غير ما قد حررناه، وحسبنا الله، ونعم الوكيل.

حرره جامعه محمد بن علي الشوكاني- غفر الله لهما-[١١أ]

أقد كانت مقابلي والولد الأبر التقي حسين بن أحمد بن محمد بن محمد ابن زباره لهذه النسخة على الأم المنقولة منها في ليلة ثلاثين غرة شعبان سنة ١٣٧٠ سبعين وثلاثمائة وألف بصنعاء اليمن. والحمد لله رب العالمين. محمد بن محمد بن يحي زباره (٢)


(١) النبأ:٢٤
(٢) زيادة من [ب] خلاصة: الإيمان بأن أهل الجنة خالدون فيها أبدا، وأد اهل النار من الكفار والمنافقين خالدون فيها أبدا.
انقسم الناس في هذه المسألة إلى ثلاثة أقسام:-
١ - القائلون بأن الجنة والنار دائمتان لا تفنيان ولا تبيدان، وهذا قول الجمهور من الأئمة من السلف والخلف، وهو الراجح الذي يدل عليه الكتاب والسنة وأقوال الأئمة.
الأدلة من الكتاب: قال تعالى: {خالدين فيها أبدا} الأحزاب:٦٥. فقد أخبر عن أبديتهم.
وفى تعالى خرجهم منها: {وما هم بخراجين من النار} البقرة: ١٦٧. ونفى تعالى انقطاعها عنهم: {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: ٣٦] وقوله تعالى: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} لزخرف: ١٧٥.
ونفط سبحانه وتعالى فناءهم فيها: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} [الأعلى:١٣] وقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦]
فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وأمثالها أن أهل النار الذين هم أهلها خلقت لهم وخلقوا لها وأنهم خالدون فيها أبد الآبدين ودهر الداهرين. لا فكاك لهم منها ولا خلاص. ولات حين مناص انظر: معارج القبول (٣/ ١٥٤٢ - بتحقيقنا).
الأدلة من السنة:
١/ ما أخرجه البخاري رقم (٤٧٣٠) ومسلم في صحيحة رقم (٤٠/ ٢٨٤٩) من حديث أبي سعيد الخدري خب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، المحيادي مناد يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت- ويا أهل خلود فلا موت، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} مريم: ١٣٩. .
وأخرج مسلم في صحيحة رقم (٤٢/ ٢٨٥٠) من حديث ابن عمر قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يدخل الله أهل الجنة وأهل النار، ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يأهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، كل خالد فيما هو فيه ".
وأخرجه البخاري في صحيحة رقم (٦٥٤٨) من حديث ابن عمر دون قوله (كل خالد ... ).
وأخرجه البخاري رقم (٦٥٤٨) ومسلم رقم (٤٣/ ٢٨٥٠) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يأهل الجنة لا موت، ويأهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم.
٢/ القائلون بفناء الجنة والنار: وهذا قول الجهم بن صفوان، إمام المعطلة- وأتباعه، وقد أنكر عليه هذا القول وكفروه به قال شارح العقيدة الطحاوية (ص: ٤٨٠): وقال بفناء الجنة والمار الجهم بن صفوان- إمام المعطلة- وليس له سلف قط، لا مر الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، ولا من أهل السنة، وأنكره عليه عامة أهل السنة، وكفروه له، وصاحوا به ولإتمامه من أقطار الأرض. وهدا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده، وهو إمتاع وجود ما لا يتناهى من الحوادث وهو عمدة أهل الكلام المذموم. التي استدلوا على حدوث الأجسام، وحدوث ما يخل من الحوادث، وجعلوا دلك عمدهم حدوث العالم القائلون بفناء النار دون الجنة:
قال شعار الطحاوية (ص: ٤٨٣ - ٤٨٤): أما ألدية النار ودوامها للناس في ذلك ثمانية أقوال: أحدها: أن من حلها لا يحرج منها أبد الآباد وهدا قول الخوارج والمعتزلة.
الثاني: أن أهلها يعذبون فيها، ثم تقلب طبيعتهم وتبقى طبيعة المارية يتلذذون جما لموافقتها لطبعهم وهذا فول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي.
الثالث: أن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون سها، ويحلفهم فيها قوم آخرون وهذا القول حكاه اليهود للبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكد فيه، وقد أكد بم الله تعالى فقال عر من قائل: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
الرابع: يخرجون منها، وتبقى حالها ليس فيها أحد.
الخامس: أنها تفئ بنفسها، لأنها حادثة وما تبت حدوثه استحال بقاؤه وهذا قول الجهم وشيعته ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والمار.
السادس: تفي حركات أهلها ويصيرون جمادا، لا يحسون بألم، وهذا قول أبي الهذيل العلاف:
السابع: أن الله يخرج منها من يشاء كما ورد في الحديث تم يبقيها شيئا، ثم يفنيها فإنه جعل لها أمدا تنتهي إليه ومن أدلتهم قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:١٢٨] وقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٦] ولم يأت بعد هذين الاستثناءين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة وهو قوله تعالى: {عطاء غير مجذوذ}، هود: ١٠٨.
وقوله تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣]
الثامن: أن الله تعالى يخرج منها من شاء كما ورد في السنة، ويبقى فيها الكفار بقاء لا انقضاء
وقد تقدم ذكر الآيات التي تثر إلى ذلك قال تعالى: {ولهم عذاب مقيم} المائدة: ٣٧) وقوله تعالى: {خالدين فيها أبدا} [البينة: ٨].
وتلك الأقوال كلها ظاهرة البطلان ما عدا [السابع والثامن].
انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص: ٤٨٠ - ٤٨٤). معارج القبول (٣/ ١٠٤٠ - ١٠٤٦) بتحقيقنا.
الشريعة للأجر كما (٣/ ١٣٧١ - ١٣٨٢)