أما ما ذهب إليه الشوكاني في التوسل والتشفع بدعاء الصالحين، فهو رأي صائب، واستدلال صحيح، غير أنه لم يفرق - رحمه الله - بين هذا النوع من التوسل، وبين التوسل بالذوات والأشخاص، فاختلط الأمر عليه، فخلط بينهما وجعلهما نوعا واحدا، كما اختلط عليه الأمر أيضا بين التوسل بالذوات والأشخاص، وبين التوسل بالأعمال الصالحة، فجعل الأول كالثاني في الجواز، فوقع بذلك في أخطاء.
وإليك بيانها:
أ- التوسل بذات المتوسل به إلى الله تعالى، أو بجاهه، أو منزلته، أو نحو ذلك، عمل غير شرعي، سواء كان المتوسل به نبيا من الأنبياء، أو عالما من العلماء، لأنه لم يأمر به الله، ولا بلغه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أو من بعدهم من القرون الخيرة أنه يعمل به، إذ لو كان مشروعا لفعلوه، ولسبقونا إليه، فإذا لم يفعلوه دل ذلك على عدم مشروعيته.
وقد تقرر في الكتاب العزيز، والسنة المطهرة أن الإسلام مبني على أصلين عظيمين:
(أحدهما): أن لا نعبد إلا الله.
و (الثاني): أن لا نعبده إلا بما شرع، كما تقرر أن الدعاء نوع من أنواع العبادة، بل هو أجلها وأعظمها.
فمن دعا المخلوقين من دون الله، واستغاث بهم، كان مشركا به- سبحانه-، ومن توسل في دعائه إلى الله بالمخلوقين، أو أقسم عليه بهم كان مبتدعا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، لأنه عمل غير مشروع. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف (١) أي لا بد فيها من ثبوت النص الشرعي المستلزم مشروعيتها واستحبابها.
(١) انظر "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية ص ٢٠ تحقيق د. ربيع بن هادي المدخلي.