للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تستلزم الإحاطة بكل فرد من أفراد العلم فلا إشكال في ذلك، لأنه يصدق بوجود نوع من أنواع العلم في أمير المؤمنين لا يشاركه فيه غيره، وقد وجد وهو ما أسلفنا. فتقرر بهذا أن المراد هذا العلم المذكور في الحديث هو ما لم يحصل الاشتراك فيه بين الصحابة، بل ما كان خاصا بأمير المؤمنين وحده. وقد وجدناه بعد موت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مختصا بكثير من علم الأمور المستقبلة، ولم يشاركه في ذلك أحد، فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مدينة هذه العلوم، وأمير المؤمنين بابها، فمن أرادها فليأت الباب.

فإن قلت: [٥] قد استأثر الله - سبحانه - بعلم الغيب، فكيف جعلته هو المراد بالحديث؟. . . قلت: قد صرخ القرآن الكريم (١) بأن الله - سبحانه - لا يظهر على غيبة أحدا إلا من ارتضى من رسول، ولا يمتنع شرعا ولا عقلا أن يظهر [على] (٢) ذلك الرسول بعض خواصه على ما أظهره الله عليه من غيبه. وقد وقع ذلك من نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كما شهدت به الأخبار المتواترة، ووقع من أمير المؤمنين الإخبار ببعض ما استفاده من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كما تقدمت الإشارة إلي ذلك.

فإن قلت: ثبت في الصحيح أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قام خطيبا في كثير من المواطن، وأخبرهم بكثير من الأمور المستقبلية، كالمهدي (٣)،. . . . . . . . . . . . . . . . .


(١) قال تعالي: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: ٢٦ - ٢٧].
(٢) زيادة استلزمها النص.
(٣) منها: ما أخرجه أحمد (٣/ ٣٦) وابن حبان في صحيحه رقم (١٨٨٠ - موارد) والحاكم (٤/ ٥٥٧) وأبو نعيم في الحلية
(٣/ ١٠١). قال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ".
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا ".
وهو حديث صحيح.