للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلم - أن يترك الحالة الفضلى؟ أعني تقديم التنجيز قبل هجوم الموت، وبلوغها الحلقوم. وقد أرشد إلي ذلك وكرر وحذر، وهو أجدر الناس بالأخذ. بما ندب إليه. وبرهان ذلك أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قد كان سبل أرضه، ذكره النووي (١) وأما السلاح والبغلة والأثاث وسائر المنقولات فقد أخبر بأنها صدقة كما ثبت عنه في الصحيح (٢) وقال في الذهبية (٣) التي لم يترك سواها ما قال، كما سلف. إذا عرفت هذا علمت أنه لم يبق من أمور رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عند موته ما يفتقر إلي مكتوب.

(نعم) قد أراد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أن يكتب لأمته مكتوبا عند موته يكون عصمة لها عن الضلال [٢]، وجنة تدرا عنها ما تسبب من المصائب الناشئة عن اختلاف الأقوال، فلم يجب إلي ذلك، وحيل بينه وبين ما هنالك، ولهذا قال الحبر ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وبين كتابه، كما ثبت عنه ذلك في صحيح البخاري (٤) وغيره (٥)، فإن قلت: لا شك أن في هذه الأدلة التي سقتها كفاية، وأن المطلوب يثبت بدون هذا، وأن عدم علم عائشة بالوصية لا يستلزم عدمها ونفيها لا ينافي الوقوع، وغاية ما في كلامها الأخبار بعدم علمها. وقد علم


(١) في شرحه لصحيحه مسلم (١/ ٨٧ - ٨٨).
قلت: وعزاه الحافظ في " الفتح " (٥/ ٣٦٢) - لأبي إسحاق في المغازي - وقال: رواية يونس بن بكر عنه - أي عن ابن إسحاق - حدثني صاع بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: فذكره، وهذا إسناد مرسل عبيد الله تابعي مشهور.
انظر: " التقريب " (١/ ٥٣٥رقم ١٤٦٩).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٨/ ١٦٣٨٥) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دينارا، ولا درهما، ولا شاة، ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء ".
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) في صحيحه رقم (٤٤٣٢).
(٥) كمسلم في صحيحه رقم (١٦٣٧/ ٢٢).