للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل

لما استربت في هذا الحديث [٦] ولا نشبت بجسمك مخالب كل مخاتل خبيث، وقد آن أن نبين لك ما أنت عليه من الاغترار ونعرفك ببعض البعض من فيق هؤلاء الأشرار.

فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا

وإياك أن تكون كما قال من حقت عليه كلمة الضلال:

وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد (١)

فاعلم أولا أن أصحابك الذين تجادل عنهم وتناضل، مصرحون في كتبهم تصريحا لا يرتاب فيه مقصر ولا كامل. أن من تمام إيمان العلماء، الحكم عليهم بالكفر والزندقة (٢) والإفتاء بسفك دمائهم حتى قال قائلهم:

قال بعض السادة القادة لا يبلغ إنسان درجة الحقيقة حتى يشهد عليه ألف صديق أنه زنديق.

فهل تراه يليق. ممثلك أن يسترسل في عتاب من طلب تمام إيمانه، ورجا البلوغ إلي درجة الصديقين بتكفير من يجعل من تمام الإيمان التصريح بتكفيره فما أولاك وأحقك بشكر من حكم على أصحابك بالكفر والزندقة وأفتى بسفك دمائهم لأنه قد تم بذلك


(١) وهو من شعر دريد بن الصمة الجشمي يرثي عبد الله أخاه قتله بنو عبس.
وهل أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد
و" غزية " قبيلة من هوازن وهي رهط الشاعر وهو اسم أحد أجداده " غزية بن جشم ".
انظر: ديوان دريد بن الصمة الجشمي (ص ٤٧).
(٢) الزندقة تقدم التعريف بها.
وقال الغزالي في الأصول: " الزنديق ضربان، زنديق مطلق، وهو الذي ينكر أصل المعاد حسا وعقلا، وينكر الصانع، وزنديق مفيد، وهو الذي يثبت المعاد بنوع عقل، مع نفى الآلام واللذات الحسية الجسمية، وإثبات الصانع مع نفط علمه فهذه زندقة مفيدة بنوع اعتراف بتصديق الأنبياء ".
انظر: مصرع التصوف تأليف العلامة برهان الدين البقاعي (ص ٣٥).