للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحلاج (١) ما لفظه: طلب ما هو أعز من وجود النار في قعر البحار، تلفت بعين عقله فما شاهد سوى الآثار، فكر فلم يجد في الدارين سوى محبوبة، فطرب، فقال بلسان سكر قلبه: أنا الحق [٨] ترنم بلحن غير معهود من البشر، صفر في روضة الوجود صفيرا لا يليق ببني ادم، لحن بصوته لحنا عرضه لحتفه ... انتهى.

ومن كلامه فيه بتلك الرواية ظهر عليه عقاب الملك من مكمن إن الله لغني عن العالمين انتهى.

وعلى الجملة فحال هذا المخذول أوضح من الشمس والاستكثار من هذيانه تضييع للوقت وشغلة للخير، ولو لم يكن من قبائحه إلا ما رواه عنه شيخ الصوفية أبو القاسم القشيري (٢) في رسالته: أن عمر بن عثمان دخل عليه وهو بمكة وهو يكتب شيئا في أوراق فقال له: ما هذا؟

فقال: هو ذا أعارض القرآن. قال: فدعا عليه فلم يفلح بعدها. لكان كافيا في معرفة حاله والذي يغلب به ظني أن الرجل بعد انسلاخه عن الدين اشتغل بطلب العلو لدنيوي كما يومي إليه قوله:

فلي نفس ستتلف أو سترقى ... لعمر الله في أمر جسيم

وقد أصدق الله تفرسه فأتلف نفسه بسيوف دينه وأرقاه إلى الخشبة التي صلب عليها فجمع له بين شقي الترديد الواقع في كلامه ومن شعره المشعر. مما ذكرت لك وهو مصلوب على الخشبة قوله:


(١) تقدمت ترحمه.
(٢) هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الله القشيري أبو القاسم، ولد سنة ٣٧٦ هـ وتوفي أبوه وهو صغير فنشأ وقرأ الأدب والعربية وكان يهوى مخالطة أهل الدنيا، فحضر عند أبي علي الدقاق فجذبه عن ذلك فسمع الفقه من أبي بكر محمد ابن بكر الطوسي ثم اختلف إلى أبي بكر بن فورك فأخذ عنه الكلام وصار رأسا في الأشاعرة وصنف التفسير الكبير وخرج إلى الحج في رفقة فيها أبو المعالي الجويني وأبو بكر البيهقي فسمع معهما الحديث ببغداد والحجاز ثم أملى الحديث وكان يغلط. توفي سنة ٤٦٥ هـ.
انظر: المنتظم (٨/ ٠ ٢٨ رقم ٣٢٨) شذرات الذهب (٣/ ٣١٩ - ٣٢٢).