للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشهر من أن تذكر ... ولقد أصاب أئمة السنة بامتناعهم من الإجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه، وحفظ الله بهم أمة نبيه عن الابتداع، ولكنهم- رحمهم الله- جاوزوا ذلك إلى الجزم بقدمه، ولم يقتصروا على ذلك حتى كفروا من قال بالحدوث، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من وقف، وليتهم لم يجاوزوا حد الوقف، وإرجاع العلم إلى علام الغيوب، فإنه لم يسمع من السلف الصالح من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم إلى وقت قيام المحنة، وظهور القول في هذه المسألة شيء من الكلام، ولا نقل عنهم كلمة في ذلك، فكان الامتناع من الإجابة إلى ما دعوا إليه، والتمسك بأذيال الوقف، وإرجاع علم ذلك إلى عالمه هو الطريقة المثلى، وفيه السلامة، والخلوص من تكفير طوائف من عباد الله، والأمر لله - سبحانه-)) اهـ.

وهذا موقف غير سديد من الإمام الشوكاني- رحمه الله- لأن السلف في صدر الإسلام كانوا في غنى عن الزيادة على القول: القرآن كلام الله، لأنهم لم يكونوا يفقهون من هذه الإضافة إلا أنها صفة من صفات الله، وصفات الله غير مخلوقة، حتى ظهرت الجهمية، وظهرت بدعة القول بخلق القرآن، فعقل أئمة السلف خطرها، وقابلوهم برفضها وإنكارها، والتشديد عليهم في ذلك، لأن حقيقة كلامهم الكفر، لما تضمن من تكذيب القرآن، وإثبات النقص لله، ولا سبيل لهم لإبطال هذه البدعة إلا أن قالوا: القرآن كلام الله غير مخلوق (١).

كما أن الشوكاني- رحمه الله- جعل الحلف بالقرآن كالحلف بمخلوق من مخلوقات الله (٢)، وهذا رأي باطل قال به المعتزلة وأتباعهم. والصحيح أن القرآن كلام الله تكلم


(١) انظر " الرد على الجهمية للدارمي ص ٢٥٩ ضمن عقائد السلف. و" منهج الإمام الشوكاني في العقيدة" (١/ ٤١٧ - ٤٢٤).
(٢) كما يتضح هذا من صيغة السؤال السادس في رسالة " إرشاد السائل إلى دلائل المسائل " وهي ضمن الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني- الفقه-.