صيغ العموم، والواجب العمل. مما دل عليه النظم القرآني. وإذا ورد ما يقتضي تخصيصه أو تقييده أو صرفه عن ظاهره وجب العمل به، وإن لم يرد ما يقتضى ذلك وجما البقاء على معنى العموم، وظاهره شمول كل متبع، وأنه مجعول فوق كل كافر، وسواء كان لإتباع بالحجة أو بالسيف أو بهما، وفي كل الدين أو بعضه، وفي جميع الأزمنة والأمكنة - الأحوال، أو في بعضها.
والمراد بالكافر- الذي جعل المتبع فوقه- كل كافر سواء كان كفره بالستر لما يعرفه ش نبوة عيسى، أو بالمكر به، أو. بمخالفة دينه، إما بعدم التمسك بدين من الأديان قط، كعبدة الأوثان والنار والشمس والقمر، والجاحدين لله، والمنكرين للشرائع، وإما مع لتمسك بدين [٧] يخالف دين عيسى قبل بعثة نبينا محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كاليهود وسائر الملل الكفرية، فالمتبعون لعيسى بأي وجه من تلك الوجوه هم المجعولون فوق من كان كافرا أي تلك الأنواع، ثم بعد البعثة المحمدية لا شك أن المسلمين هم المتبعون لعيسى لإقراره بنبوة محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبشيره ها كما في القران الكريم، والإنجيل، بل في الإنجيل الأمر لاتباع عيسى بإتباع محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فالمتبعون لعيسى بعد البعثة المحمدية هم المسلمون في أمر الدين، ومن بقى على النصرانية بعد البعثة المحمدية فهو وإن لم يكن متبعا لعيسى في أمر الدين ومعظمه، لكنه متبع له في الصورة، وفي الاسم، وفي جزيئات من أجزاء الشريعة العيسوية فقد صدق عليهم أنهم متبعون له في الصورة، وفي الاسم، وفي شيء مما جاء به، وإن كانوا على ضلال ووبال وكفر، فذلك لا يوجب خروجهم عن العموم المذكور في القرآن، ولا يستلزم اندراجهم تحت هذا العموم أنهم على شيء، بل هم هالكون في الآخرة، وإن كانوا مجعولين فوق الذين كفروا، فذلك إنما هو في هذه الدار، ولهذا يقول الله- عز وجل- بعد قوله:{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(١)