وبالجملة آنا إذا جردنا النظر إلى الملة الإسلامية، والملة النصرانية فقد ثبت بالكتاب والسنة ما يدل على استظهار [٩] الملة الإسلامية على الملة النصرانية، وإن نظرنا إلى جميع الملل فالملة الإسلامية والملة النصرانية هما فوق سائر الملل الكفرية لهذه الآية التي ورد السؤال عنها. ولا ينافي هذا شيء مما تقدم ذكره، لأن ما ورد مما يدلا على أن المسلمين هم المجعولون فوق الذين كفروا هو صحيح، لأنهم قد جعلوا فوق جميع الملل بعد البعثة المحمدية. ولا مخالف ذلك جعل بعض الملل الكفرية وهم النصارى فوق سائر الملل الكفرية، ولا ملجئ إلى جعل الضمير المذكور في الآية، وهو " الكاف " لنبينا محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تكلفه جماعة من المفسرين، لأن برحله لعيسى كما يدل عليه السياق، بل هو الظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه لا يستلزم إخراج الملة المحمدية بعد البعثة، إذ هم متبعون لعيسى كما عرفت سابقا. ولا خلاف بين أهل الإسلام أن الملة النصرانية كانت قبل البعثة المحمدية هي القاهرة لجميع الملل الكفرية، فلم يبق في تحويل الضمير عن مرجعه الذي لا يحتمل السياق فيه فائدة إلا تشكيك النظم القرآني، والإخراج له عن الأساليب البالغة في البلاغة إلى حد الإعجاز. ومن تدبر هذا الوجه الذي حررناه علم أنه قد أعطى التركيب القرآني ما يليق ببلاغته من بقاء عموم الموصول الأول والموصول الثاني، وعدم التعرض لتخصيصه. مما ليس بمخصص، وتقييده. مما ليس. بمقيد، وعدم الخروج عن مقتضى الظاهر في مرجع الضمائر، وعدم ظن التعارض بين ما هو متحد الدلالة [١٠]