للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاد والسلام على سيدنا محمد الأمن، وعلى آله الطاهرين وصحبه الراشدين، وبعد:

فإنا رأينا من بعض أهل عصرنا من يتصف بالأوصاف التي ذكرها الله- سبحانه- في كتابه العزيز حيث قال- عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (١) انظر كيف وصف- سبحانه- ما


(١) [آل عمران: ١١٨ - ١١٢٠]. . معاني مفردات النص.
قوله: بطانة: بطانة الثوب هي ما يلي منه، وهى حلاف ظهارته مأخودة من البطن، فبطن كل ش! ء جوفه، أو مأخوذة من فعل " بطن ". بمعنى خفي، وضده " ظهر ".
القاموس (ص ١٥٢٤) لسان العرب (١/ ٤٣٤).
قال ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٠٦): وقوله: {لا تتخذوا بطانة من دونكم} أي: من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل: هم خاصة أهله الذين يطلعون على داحلة أمره.
وقد أحرج البخاري في صحيحه رقم (٦٦١١ و٧١٩٨) عن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله ". .
قوله: (دونكم) من غيركم ممن هم سافلون بكفرهم أو نفاقهم أو ترددهم وعدم ثبات إيمانهم من الذين في قلوهم مرض.
يألو: قصر وأبطأ.
لسان العرب (١/ ١٩١). خبالا: الخبال النقصان، والهلاك، السم القاتل. والحبال فساد العقل والجنون.
ودوا ما عنتم: أي تمنوا عنتكم، مشقتكم والإضرار بكم.
البغضاء: شدة البغض.
قال ابن كثير ني تفسيره (٢/ ١٠٨): قال تعالى: {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر} أي: قد لاح على صفحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل. .
المعنى العام للنص القرآن:
يا أيها الذين آمنوا صادقين في إيمانكم، لا تتحذوا أخلاء أو أصفياء أو أصدقاء، أو أولياء أو عمالا أعمال يطلعون فيها على أسراركم وخفايا أموركم، وما يدبرون من خطط للسلم والحرب، من دون المؤمنين الصادقين في إسلامهم أي: من غير نوعهم وصنفهم وجنسهم، لئلا يتمكنوا لذلك من مخالطتكم ومداخلتكم في أموركم المهمة، ليطلعوا بدلك على أسراركم، وبواطن أحوالكم وشؤونكم، ثم يتحذوا من مواقعهم أسبابا للإضرار بكم وإفساد أموركم. .
أني اتخاذ لطالة منهم فهي موالاة مر مستوى رفيع حدا وهو أمر لا يليق إلا بالخلص من المؤمنين فلا يحوز اتخاذ بطالة مر الكافرين بداهة.
لكن الأمر الذي قد تحصل فيه شبهة هو اتخاذ المنافقين بطانة فجاء النص للتحذير منه بالقصد الأول.
مع تهول النص للكافرين، والفاسقين والذين في قلوهم مرض دون النفاق، إذ كلهم يدخلون في عموم وصف.
ومن أسباب التحذير الشديد من اتخاذ بطانة من المنافقين:
١/ أنهم لا يقصرون ولا ببطون في إفساد أحوال المؤمنين وإنزال الضرر هم وتوهين قواهم، وتمزيق صفوفهم، ومؤازرة أعدائهم ضدهم، حتى استئصال شأفتهم.
٢/ أنهم يتمنون أن ينزل بالمؤمنين كل بلاء وعنت ومشقة وضرر، وهذا يدفعهم إلى اتخاذ الوسائل لتحقيق ما يتمنون، وإلى تدبر المكايد ضدهم.
٣/ أن أمارات بغضهم للمؤمنين قد ظهرت فعلا من أقوالهم وفلتات ألسنتهم والخبير الذكي الفطن يستطيع أن يكتشف ما في خبايا القلوب والنفوس من معاريض الأقوال وفلتات الألسنة.
٤/ أن ما تخفيه صدورهم من بغضاء للمؤمنين، وما تدفع إليه هده البغضاء من مكر وكيد، واتخاذ الوسائل للإضرار بالمؤمنين، وهو أكبر مما ظهر من أمارات البغضاء على ألسنتهم.
٥/ أنهم يرقبون أحوال المؤمنين وما ينزل بهم تباعا يوما فيوما، بعين عدو حاقد ماكر، فإن تمسسهم حسنة ما ولو كان مسا رقيقا وبنسبة قليلة ساءهم دلك، وإذ تصبهم سيئة ما يفرحوا بها، لأنهم في قلوبهم ونفوسهم أعداء للمؤمنين، ممتلئون غيظا منهم، وبغضا لهم. .
منهج رباني رممته الآيات على المؤمنين أن يسلكه ليتقي شر المنافق:
١/ ألا يتخذ المؤمنون بطانة من المنافقين.
٢/ أن يثقوا بالله ويتوكلوا عليه، فهو الذي ينصرهم ويحميهم من مكابد المنافقين وشرورهم. إدا اتبعوا أوامره واجتنبوا نواهيه والتزموا منهاجه في السلم والحرب.
٣/ أن يصروا عليهم، ولا ينزلوا بهم لقمتهم قمل أن بأذن الله لهم أو تثبت إدانتهم صراحة بالكفر والردة.
٤/ أن يتقوا الله ربهم ي كل أعمالهم، وأن يكونوا على حذر شديد من المنافقين وفى حالة مراقبة تامة لهم ولتحركاتهم.