للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقع من هذه الطائفة من الخبال والخذلان، وودادة ما يعنت أهل الإيمان، وظهور البغضاء التي محلها القلوب بترجمة الألسن عنها، وظهورها منها، وأن ذلك الذي تبديه الألسن من الأفواه إنما هو البعض، وما تخفيه الصدور أكبر! ثم ختم الآية بأن هذا البيان الرباني بالآيات القرآنية إنما يفهمه من يتعقل الأمور كما ينبغي، ويفهمها كما يجب، لا من كان غافلا بليد الفهم، ضعيف العقل بم فإنه يلتبس عليه صنيع هؤلاء المنافقة (١) الذين


(١) النفاق: مصطلح إسلامي لم تعرفه العرب. بمعنى التظاهر بالإسلام، وادعاء الإيمان كذبا ومخادعة للمؤمنين، مع إبطان الكفر وعدم الإيمان.
النفاق: من النفق هو السرب في الأرض النافذ إلى موضع آخر، والداخل فيه يستتر به، وجمع النفق أنفاق، ومنه قول الله عز وجل لرسوله في سورة الأنعام (٣٥): {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين}. النفاق وفق المعنى الإسلامي: هو إظهار الإسلام باللسان، وادعاء الإيمان كذبا وزورا ومخادعة للمؤمنين، مع إبطان الكفر بكل أركان القاعدة الإيمانية أو ببعض منها مما يجعل جاحده كافرا ويدل على النفاق أن يدعي الإنسان الإسلام ولا يعمل به، روى ابن جرير عن حذيفة أله قيل له: ما النفاق؟ قال: الرجل يتكلم بالإسلام ولا يعمل به.
لسان العرب (١٠/ ٣٥٩). انظر: بصائر دوي التمييز للفيروزآبادي (٥/ ١٠٤)، ظاهرة النفاق (١/ ٥٢ - ٥٣)، التعريفات للجرجاني (ص ٢٤٥). . أسباب نشأة النفاق:
١/ حين انتصار الدعوة الإسلامية وارتفاع شأنها وعلو كلمتها، ويضحي بيد أهلها الحل والعقد. يظهر على الساحة بعض أصحاب النفوس المريضة وذوا الأطماع والشهوات الذين يجدون في رحاب هذه الدعوة المنتصرة مجالا واسعا لنيل مآربهم وأطماعهم وإرضاء شهواتهم الحسيسة فيتظاهرون بالانضمام إليها لتحقيق ما تصبو إليه لنفوسهم المريضة.
٢/ للسبب الأول- أعني انتصار الدعوة- يدخل فيها من اشتعل قلبه حقدا على هذه الدعوة، وامتلأ بغضا للإسلام وأصحابه، فإذا وجد فرصة للكيد. بمبادئ الإسلام ودعاته اقتنصها، وإذا وجد ثغرة صوب رمحه إليها وهذا لا يصنعه- أعني الدخول في الدعوة- إلا عن جبن وبغية السلامة لنفسه يظهر الإيمان ويبطن الكفر يظهر حب المؤمنين ويكتم لعضهم، يبدي الغيرة على الدعوة والانتصار لها وقد انطوت سريرته على الحقد والكيد.
٣/ حينما تبتلى الدعوات وأهلها ويشتد الاضطهاد لهم ويلقى المؤمنون في سبيل دعوتهم أشد أنواع الخسف والهوان. ويتفش الظلمة وحكام الجور في إيذائهم والكيد لهم والسخرية منهم والاستهزاء. بمبادئهم يريدون بذلك قتل الإيمان في القلوب. في هذه الحالة التي تعظم ليها النكبات وتتلاحق المحن والفن وفي الوقت الذي تشتد فيه عزائم المؤمنين ويزداد حماسهم لدعوتهم ... في هده الآونة يظهر ذلك النوع الآخر من ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب يسارعون إلى الكفر بالدعوة ورجالهم وتجدهم أعظم حربا عليهم من الكافرين ها والمحاربين لدعاتهم، هم أناس حقرت نفوسهم وصغرت واستعصمت عليهم المعاني العليا فأصبحت في واد وهم في واد آخر.
انظر: " المنافقون وشعب النفاق " للأستاذ حسن عبد الغني المحامي.