للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإلهي، والتعليم الرباني، فإنك لو جئت بكل عبارة في الرد على هؤلاء المنافقة لم تجد جوابا أبلغ من هذا ولا أقطع، ولا أنكا لقلوهم، وأخرس لألسنهم منه فإن غاية ما يتأثر عن مزيد العداوة هو الغيظ، فإن تعاظم وتفاقم وأفرط بصاحبه بلغ به الموت، فإذا قلت لمن غلت مراجل قلبه، واضطرمت نيران جوفه، واضطربت أمواج صدره. مما جلبته عليه عداوته لك من الغيظ: (! ا بغيظك) فقد بلغت من نكايته مبلغا لا تفي به عبارة، ولا يحيط به قول، لأنك جئت بغاية ما تبلغ إليه كيده، وينهي الله غيظه، وقلت له: مت بغيظك، فإنك لم تضر به إلا نفسك، ولم ينجع إلا فيك، ولا بلغ هذه الغاية إلا منك، وعند أن يسمع هذا الجواب يزداد غيظا إلى غيظه، وبلاء إلى بلائه، ومحنة إلى محنته، وكانت الثمرة التي استفادها من عداوته وما حمله من حسده هو هذا العذاب العظيم، والبلاء المقيم، ولم ينل أهل الإيمان من ذلك شيء أصلا فحار كيده عليه {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} (١) ورجع بغيه إليه: {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} (٢) وعاد نكثه إلى نفسه: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} (٣) وخداعه به {يخدعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم} (٤)، ثم أخبر- سبحانه- عباده المؤمنين بأنه عليم. مما تجنه الصدور، وتخفيه القلوب، وفي ذلك تسلية للمؤمنين عظيمة عما يكاد يلحق هم من غم لما يسمعونه من جلبة المنافقين عليهم، وصولتهم وعداوتهم لهم، لأن ما كان بعلم الرب- سبحانه-، وكائن لديه فهو المجازي لفاعله، المنصف من قائله، وكفى به- سبحانه- منصفا من


(١) [فاطر: ٤٣]
(٢) [يونس: ٢٣]
(٣) [الفتح: ١٠]
(٤) [البقرة: ٩]