للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظالمين، ومنتقما من المتخلقين بأخلاق (١) المنافقين، ثم بين- سبحانه- لعباده حال هؤلاء بأكمل بيان، وأوضحه بأتم إيضاح بحيث لا يبقى بعده ريب، ولا يختلج عنده شأ، فقال: {إن تمسسكم حسنة تسوءهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} فجعل- سبحانه- مجرد مس الحسنة للمؤمنين موجبا لمساءة المتخلقين بأخلاق المنافقين، ومجرد إصابة ما يساء به المؤمنون مقتضيا لحصول الفرح لهم (٢)، وليس بعد هذا من العداوة شيء بم فإنه النهاية التي ليس وراءها نهاية، والغاية التي ليس بعدها غاية، ثم شد - سبحانه- قلوب عباده المؤمنين، وطمن خواطرهم، وأثلج صدورهم مع الصبر والتقوى، لا ينالهم من تلك الصولات شيء، ولا يعلق هم من تلك القعاقع أمر، ولا يصل إليهم ضرر البتة كما يفيده قوله- سبحانه-: {لا يضركم كيدهم شيئا} فجاء بلفظ شيء الذي يتناول مثقال الذرة وما دونه فضلا عما فوقه، وليس بعد هذه التسلية الربانية، والتعزية الرحمانية {لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} (٣)، فإن هذه الألفاظ اليسيرة، والكلمات الموجزة أفادت ما لم تفده بلاغات البلغاء، وفصاحات الفصحاء، فإن غاية ما يجده من كلامهم في الشأن هو كقول قائلهم:

إن يسمعوا سبة طاروا ها فرحا ... منى وما سمعوا من صالح دفنوا

وكقول الآخر:

إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ... شرا أذاعوا وإن لم يسمعوا أفكوا


(١) وقد ذكر " عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني " في كتابه النفاق وخبائث المنافقين ي التاريخ (١/ ١٠٨ - ١٣٧): مائة وأربع عشرة صفة للمنافقين مقتبسة من النصوص القرآنية. وذكر سبع عشرة صفة للمنافقين مقتبسة من الأحاديث النبوبة. فجزاه الله حيرا.
(٢) في " جامع البيان " (٣/ ج ٤/ ٦٧).
وصفة المنافق للفريايى (ص ٩ - ٢٢).
(٣) [ق: ٣٧]