للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه غاية هذين البيتين أنهم يخفون المحاسن، وينشرون المساوئ [٢ب]. وأين هذا مما وصفه الله- سبحانه- عنهم من إساءة الحسنة لهم، وفرحهم بالسيئة! فإن هذا أمر وراء الإخفاء والإذاعة، فإنها لا تتأثر القلوب بالإساءة والفرع إلا بعد تمكن العداوة والبغضاء تمكنا زائدا. وأما مجرد الإخفاء للخير، والإذاعة للشر فإن ذلك يحصل ممن بلى. بمجرد الحسد، ومع هذا فإن هذا النظم القرآني يدل على أن مجرد ما يصل إلى المؤمنين مما يسمى حسنة يتأثر عنه المساءة لأعدائهم، ومجرد ما يصل إلى المؤمنين مما يسمى سيئة يتأثر عنه الفرح لأعدائهم كما يدل عليه تنكير الحسنة والسيئة، فإن الظاهر فيه أنه تنكير التحقير، فالحسنة الحقيرة والسيئة الحقيرة وإن بلغت إلى الغاية في الحقارة- يتأثر عنها ذلك، فكيف. بما كان فوق ذلك!.

فإن قلت: قد ذكر الله- سبحانه- في هذه الآيات (١) أوصاف أهل النفاق، وما


(١): (منها): {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكفرين أولياء من دون المؤمنين ... } [النساء: ١٣٨ - ١٣٩].
(ومنها) قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: ١٤٢ - ١٤٣].
(ومنها) قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:
٦٠ - ٦١].
(ومنها) قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}