لها جعلتها مذهولة حينا من الزمن، لكن لما أفاقت من الصدمة علمت أن الطريق هو طريق محمد - صلى الله عليه وسلم - فشمرت في العمل، وبدأت بألين وأسهل من في الأسرة من البنات الصغيرات وبذلت نفسها في خدمتهم جميعًا فكانت لا تكل ولا تمل ولا تتذمر ولا تتشكى حتى أحبها البعض ومع هذا قالت: البعض نعمة؛ مرت سنوات هي على حالها تعاني من الاستهزاء والغمز واللمز، لكنها صابرة محتسبة حتى كبرن الصغيرات، وفرج الله عنها بهداية الأسرة لكن ذلك لم يأت من التشكي والتجزع أو من الضعف وترك الدعوة، بل يأتي من الصبر والهمة العالية والدعاة وتحمل المشاق.
لموسى عليه السلام منزلة عند ربه، وخصوصًا في همته الدعوية، حتى غفر الله له ما غفر لسبب همته الدعوية، كما قرر ابن تيمية رحمه الله فيما يرويه عن ابن قيم الجوزية في كتابه مدارج السالكين قال:
انظر إلى موسى عليه السلام رمى الألواح فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجر بلحية نبي مثله، ولطم عين ملك الموت ففقأها وعاتب ربه ليلة الإسراء في محمد - صلى الله عليه وسلم - وربه يحتمل له ذلك كله، ويحبه ويكرمه لأنه قام لله تلك المقامات العظيمة في مقابلة أعدى عدو له، وصدع بأمره، وعالج أمة القبط وبني إسرائيل، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر، وانظر إلى يونس عليه السلام حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى غاضب ربَّه مرة، فأخذه وسجنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى.