ولا يثقل ذلك علينا كما يثقل على الصبيان، ففي جميع الأشياء الطباعية شيءٌ عجيبٌ، ولذلك ينبغي لنا أن نطلب معرفة طباع كلِّ واحدٍ من الحيوان ونعلم أنّ في جميعه شيئا طباعياً كريماً، لأنّه لم يطبع شيء منها على وجه الباطل ولا كما جاء واتّفق ولا بالبخت، بل كل ما يكون من قبيل الطِّباع قائماً، يكون لشيء أعنى لحال التمام، ولذلك صار له مكان ومرتبة وفضيلة صالحة، فتبارك الله أحسن الخالقين!!
وأما باطن الحيوان وتجويفاته وما فيها من العجائب التي تشتمل على وصفها كتب التشريح لجالينوس وغيره وكتاب منافع الأعضاء له، فأنّ أيسر اليُسير منه يبهتُ دونه المصوِّر حسيرا ولا يجد له على ذلك ظهيراً ويعلم مصداق قوله تعالى:[وخُلق الإنسان ضعيفا].
وأقول أن التعجُّب من الأمور الصناعية أيضاً هو التعجُّب من الأمور الطباعية، لأنّ الأمور الصناعية هي بوجهٍ ما طباعية، وذلك أنها حادثة عن قوى طباعية، كما أنَّ المهندسَ إذا حرَّك ثِقلاً عظيما استحقَّ أن يتعجّب منه، فكذلك إذا صنع صورةً من خشبٍ مثلا تحرك تلك الصورة ثقلا ما، كان ذلك المهندس أحرى أن يتعجب منه، والله خلقكم وما تعملون فتبارك مَن هذا ملكوته، ثمّ تردون إلى عالم الغيب والشهادة، وفي أنفسكم أفلا تبصرون، ونور جلاله ساطعٌ فلا يحجبه
حجاب، يعلمُ خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ومن أشباح الموجودات بقدرته قائمة وبإرادته متحركة وساكنة وبنفاذ أمره فيها فرحة، وباقترابها من حضرة قدسه مبتهجة، ولتكثرها تشهد بوحدانيته وبتغيّرها تقر بقدرته وإن من شيء إلّا يسبح بحمده.
ولنرجع إلى حديثنا الأول فنقول، هذه الأصنام مع كثرتها قد تركتها الأيام إلّا الأقلَّ منها جذاذا وغادرتها رماداً، ولقد شاهدتُ كبيراً منها وقد نحت من صلعته رحاً ولم يظهر في صورته كبيرُ تشويهٍ ولا تغيُّرٌ بيّن،، ورأيت صنماً وبين رجليه صنمٌ متَّصلٌ به صغير كأنه مولود بالقياس إليه، وهو مع ذلك كأعظم رجلٍ يكون، وعليه من الملاحة والجمال ما يشوق الناظر إليه لا يملُّ من ملاحظته، واتخاذ الأصنام قد كان في ذلك الزمان شائعا في الأرض عامّاً في الأمم ولهذا قال تعالي في حق إبراهيم عليه السلام:[إنّ إبراهيم كان أمَّةً قانتا لله حنيفاً ولم يكُ من المشركين] أي