فحضرني قوله تعالى:[إن كانت إلّا صيحة واحدة فإذا هم خامدون] قال: ثم انتقلنا إلى بلد آخر فوجدناه كالذي قبله ليس به أنيسٌ وهو مشجونٌ بموت
أهله، قال: واحتجنا إلى الإقامة به لأجل الزراعة فاستأجرنا من ينقلُ الموتى مما حولنا إلى النيل كلّ عشرةٍ بدرهم، قال: ولكن قد بدلت البلاد بالذئاب والضباع ترفع لحوم أهلها.
ومن عجيب ما شاهدتُ أني كنتُ يوما مشرفاً على النيل مع جماعة فاجتاز علينا في نحو ساعة نحو عشرة موتى كأنّهم القرب المنفوخة هذا من غير أن نتصدى لرؤيتهم ولا أحطنا بعرض البحر، وفي غد ذلك اليوم ركبنا سفينة فرأينا أشلاء الموتى في الخليج وسائر الشطوط كما شبَّهها ابن حجر بأنابيش العنصل وخبرت عن عيّاد بفرضة تنيس أنه مرَّ به في بعض نهار أربعمائة غريق يقذف بهم النيل إلى البحر الملح، وأما طريق الشام فقد تواترت الأخبار أنّها صارت مزرعة لبني آدم بل محصرة، وأنه عادت مأدبة بلحومهم للطير والسّباع وأنّ طلابهم التي صحبتهم من منجلاهم هي التي تأكل فيهم.
وأول من هلك في هذه الطريق أهل الحِرَف عندما انتجعوا إلى الشام وانتشروا في هذه المسافة مع طولها كالجراد المحسوس، ولم تزل تتواصل هلكاهم إلى الآن وانتهى انتجاعهم إلى الموصل وبغداد وخراسان وإلى بلاد الروم والمغرب واليمن ومُزِّقوا كلّ مُمزَّق.
وكثيراً ما كانت المرأة تملُص من صبيتِها في الزحام فيتضوَّرون حتى يموتوا.
وأما بيع الأحرار فشاع وذاع عند من لا يراقب الله، حتى تُباع الجارية الحسناء بدراهم معدودة، وعُرض عليَّ جاريتان مراهقتان بدينار واحد، ورأيتُ مرة أخرى جاريتين إحداهما بكر ينادَى عليها بأحد عشر درهما.
وسألتني امرأة أن أشتري ابنتها وكانت جميلة دون البلوغ، بخمسة دراهم فعرَّفتها أن ذلك حرام، فقالت خذها هدية، وكثيرا ما يترامى النساء والوِلدان الذين فيهم صباحة على الناس بأن يشتروهم أو يبيعوهم، وقد استحل ذلك خلقٌ عظيم ووصل