الاسم والمسمى، فإنه اشتهر أنَّ مذهب أهل السنة أنَّ الاسم عين المسمى، ومذهب المعتزلة
والخوارج ــ كما قال الأشعري في كتاب المقالات ــ أن الاسم غير المسمى (١).
وقد تحير المتأخرون في معنى الخلاف. قالوا: لأنه إن أريد بالاسم لفظه، فهو غير المسمى قطعًا، ولا يقول عاقل ــ فضلًا عن أهل السنة ــ إنه عينه. وإن أريد مدلوله فهو عين المسمى، ولا يخالف في ذلك المعتزلة ولا الخوارج.
أقول: لا يبعد أن يكون أول الأمر زعم بعض المبتدعة أنَّ الدلالة الحقيقية للألفاظ إنما هي على أنفسها، كما في قوله تعالى:{اسْمُهُ يَحْيَى}[مريم: ٨]، وأما دلالتها على المسمى فإنما هي مجاز، وروَّج ذلك بأن دلالة الشيء على نفسه أسبق وأوضح من دلالته على غيره، فالدخان مثلًا يدل على نفسه ثم على النار، ودلالته على نفسه أسبق وأوضح. [٤٤/أ] ثم عبَّر عن ذلك بقوله: "الاسم غير المسمى" أي هو غيره في نفس الأمر، فإن لفظ "يحيى" غير ذات الرجل قطعًا، أي فينبغي أن يكون كذلك في حقيقة الدلالة.
وكأن غرض ذلك المبتدع أن يوصل بهذا القول إلى ترويج تأويلاتهم لنصوص الكتاب والسنة قائلًا: المعاني التي تحملون عليها النصوص ــ معشر أهل الحديث ــ كلها مجازات، والتي نحملها نحن عليها هي أيضًا مجازات، فلا مزية لكم علينا من هذا الوجه.
(١) حكى الأشعري في "المقالات" من جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة "أن أسماء الله لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج" (٢٩٠) وأنهم "يقولون: أسماء الله هي الله" (٢٩٣). وانظر: "روح المعاني" (١/ ٥٢).